آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ويستدل بهذا على تأثر القرآن بالبيئة والوسط، وغرضه التشكيك في أن القرآن من عند الله.
وهذا الكلام منقوض بما يأتي:
١ - أنه لا يجرؤ على هذه المقالة إلا أحد رجلين: إما جاهل أغرق في جهله فلا يكاد يميز بين المكي والمدني، وإما زنديق أعمته زندقته عن إدراك الحق الظاهر، وقد سقط هذا الباحث الناقد والمفكر الجريء سقطة لا إقالة له منها، ولا يكاد يقع فيها الطلاب المبتدءون، فضلا عن الباحثين؛ ولو تناول مصحفا وأمر القارئ له أن يقرأ ما كتب قبل مفتتح سورة الأنبياء لوجد سورة الأنبياء مكية وآياتها ١١٢، ولو تناول كتابا من كتب الفن لعلم أن سورة الأنبياء مكية بلا استثناء عند جمهور العلماء، وباستثناء آية أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها عند البعض، ومهما يكن من شيء فالآية التي استدل بها مكية بالإجماع، وكيف تتفق هذا السقطة التي لا تكون من مبتدئ، وما أضفاه على نفسه من الصفات الطنانة والعبارات الجوفاء الحق أنه قدم لنا الخنجر للإجهاز عليه.
وأن نظرة بسيطة في السور المكية لترينا أنها استفاضت بالأدلة والبراهين القطعية؛ اقرأ إن شئت في إثبات الإله قوله تعالى في سورة الغاشية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)[الغاشية: ١٧ - ٢٠] الآيات، وقوله تعالى في سورة الواقعة: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) إلى قوله فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)[الواقعة: ٥٧ - ٧٤] وقوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦)[الطور: ٣٥ - ٣٦].
واقرأ أيضا في إثبات الوحدانية في سورة الأنبياء المكية: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢]، ومهما أسهب الفلاسفة وعلماء الكلام في إقامة الأدلة والبراهين على الوحدانية فلن يخرجوا عن فلك هذه الآية على وجازتها وقصرها، وفي سورة «المؤمنون» المكية: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ