قطعا، أما أصل المشروعية فللعلماء فيها خلاف كما ذكرت، وأيضا وليكون ذلك من أعلام صدقه، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه:
١ - آية الوضوء؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إلى قوله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فالآية مدنية إجماعا، وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة؛ قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل، وجوز غيره أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة، ويرد هذا الاحتمال أن الآية مدنية بالإجماع.
٢ - آية الجمعة (١) فإنها مدنية، والجمعة فرضت بمكة، وأما ما قاله ابن الغرس: إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط فيرده ما أخرجه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الآذان يستغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فقلت: يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا قال: أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة؛ أقول: وهذا إنما يصلح للرد إن أراد ابن الغرس بقوله هنا إنها لم تفرض قبل الهجرة، أما إن أراد أنها لم تؤد بجماعة بمكة فلا يصلح ردّا عليه.