للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها، وعبد الرزاق أيضا، وجاء عنها أيضا: خمس رضعات، وهي ما يدل عليها رواية مسلم التي معنا، فاختلاف الرواية عنها يدل على أنه كان باجتهاد منها استندت فيه على

ما ظهر لها من السنة، ولو كان قرآنا لما نقل عنها كل هذا الاختلاف (١).

وقال الإمام النووي في شرحه على مسلم (٢): واعترض أصحاب مالك على الشافعية- يعني القائلين بأن لا حرمة إلا بالخمس- بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به عندكم، وعند محققي الأصوليين؛ لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد، وإذا لم يثبت قرآنا لم يثبت خبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن خبر الواحد إذا توجه إليه قادح يوقف عن العمل به، وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد مع أن العادة مجيئه متواترا توجب ريبة، والله أعلم.

وهكذا يتبين لنا أن الأئمة على أنه ليس بقرآن قط، وأقصى درجاته أن يكون خبرا صحيحا، وأما رواية أكل الداجن فهي مردودة ومتهافتة، وليس أدل على هذا من أن القرآن كان محفوظا في الصدور، فضياع صحيفة منه- فرضا- لا يؤثر في ثبوت قرآنيته ما دامت تحفظه الكثرة الكاثرة من المسلمين، ثم إن القرآن كان مكتوبا في العسب، والرقاع والعظام وصحائف الحجارة، ومثل هذه الأشياء مما لا يتيسر في العادة للداجن أن تأكله، ولا سيما والرواية لم تعين لنا نوع هذا الداجن، أهو شاة أم حمام أم غيرهما.

فإن قال قائل: فكيف يتفق ما ذهب إليه من تأويل وما ثبت في الرواية «كان فيما أنزل من القرآن».

قلت: المراد كان فيما أنزل من شرح القرآن وبيانه، ولا شك أن السنة شارحة للقرآن ومبينة له قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وأيضا فإن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن، ويكون


(١) المرجع السابق.
(٢) ج ١٠ ص ٣٠.

<<  <   >  >>