للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من القرآن حتى نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع ذلك، ولا بد لكل أحد منه فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الأول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

٢ - إن هذا كان قرآنا ثم نسخت تلاوته لما أنزل الله أَلْهاكُمُ ثم بقي حكم ذلك مقررا، قال الحافظ ابن حجر: وقد شرحه بعضهم على أن ذلك كان قرآنا ونسخت تلاوته لما نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) فاستمرت تلاوتها، فكانت ناسخة لتلاوة ذلك، فأما الحكم والمعنى فيه فلم ينسخ؛ إذ نسخ التلاوة لا يستلزم المعارضة بين الناسخ والمنسوخ؛ كنسخ الحكم، والأول أولى، وليس ذلك من النسخ في شيء، ومراد الحافظ بالأول أي أنه من كلام النبوة لا قرآنا، ولعل مما يشهد لهذا التأويل الثاني ما ورد في حديث أبي موسى الأشعري في صحيح مسلم، وهو ما ذكرناه آنفا، وهذا الوجه لا يثبت إلا بتسليم كونه قرآنا في أول الأمر، ودون إثبات ذلك خرط القتاد؛ إذ القرآن لا يثبت بالآحاد كما هو رأي المحققين.

٣ - إن هذا من قبيل الأحاديث القدسية، التي هي من الله، وقد ورد في بعض الروايات التصريح بنسبته إلى الله بلفظ: «إن الله يقول» ويشهد لذلك أن اسلوبه ومعناه شبيهان بأساليب ومعاني الأحاديث القدسية، إذ هي كثيرا ما تدور حول الزهد والفضائل، قال الحافظ ابن حجر في الفتح في أثناء شرحه لهذا الحديث: «ومنه ما وقع عند أحمد وأبي عبيد في فضائل القرآن من حديث أبي واقد الليثي قال: كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم: «إن الله قال: إني أنزلت المال لإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم ... الحديث» وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية والله أعلم، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما، وإن كان حكمه مستمرا.

<<  <   >  >>