الرأي الثالث: أن الكثير من السور علم ترتيبها بالتوقيف والبعض كان ترتيبها باجتهاد من الصحابة، وإلى هذا ذهب بعض فطاحل العلماء كالقاضي أبي محمد بن عطية حيث قال: ظاهر الآثار أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في السور ما لم يرتب فهذا هو الذي رتب وقت الكتب (١).
وقال البيهقي في المدخل:«كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة» فقد حصر البعض الذي هو باجتهاد في هاتين السورتين فقط، وقال الحافظ ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا وقد اختار السيوطي ما ذهب إليه البيهقي حيث قال: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءته صلى الله عليه وسلم سورا ولاء على ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران: لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز.
ويشهد لما ذكره البيهقي ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتموهما في السبع الطوال فقال عثمان رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من يكتب فيقول:«ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من أواخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» ووضعتها في السبع الطوال. وأجيب عن هذا