ما عنون له، وفي هذه النقول روايات صحيحة وجياد، لا يرد عليها أي طعن ولا يعلق بها غبار، وفيها مرويات زائفة مدسوسة، وكان الأولى أن ينبه عليها، أو ينزه كتابه عن ذكرها.
وقد اتخذ المبشرون والمستشرقون، وأضرابهم المتابعون لهم من هذه الروايات مادة للطعن في «القرآن» والإسلام؛ فقد صادفت هوى في نفوسهم المريضة، فقالوا ما شاء لهم هواهم أن يقولوا من زور وافتراء.
والإمام السيوطي من حفاظ الحديث- ولا ريب- ومثله أجل من أن يذكر مثل هذه الروايات الواهية الساقطة التي تصل إلى حد الوضع والاختلاق دون التنبيه عليها، ولعله يرى؛ أنه ما دام ذكر الرواية بسندها أو عزاها إلى مخرجها؛ فقد أعفى نفسه من التبعة، وعلى القارئ أن يبحث ويجدّ في البحث حتى يصل إلى مفصل الحق في هذه الروايات المريبة، وهو رأي لبعض حفاظ الحديث.
على أن هناك حقيقة ينبغي التنبه إليها، وهي أن الإمام «السيوطي» من نقاد الحديث، المتشددين جدّا في الحكم بالوضع أو السقوط ومن المتمسكين بحرفية قواعد أصول الحديث، وربما يرجح هذه الحرفية على القرائن التي تكاد تنطق بأن هذه الروايات مدسوسة على الحديث ورجاله.
وهناك حقيقة أخر: وهي أن نقاد الحديث وأئمته، ليسوا في درجة واحدة في أصالة النقد وبعد الغور وشفوف النظر، والكشف عن المعايب الخفية، فمنهم الناقد الجهبذ، والصيرفي الماهر، الذي لا يخفى عليه التزييف مهما استتر، ومنه الطبيب النّطاسيّ، الذي يعرف مكمن الداء بمجرد النظر، ومنهم من هو دون ذلك، فمن ثم خفيت هذه الروايات المدسوسة على بعض العلماء دون بعض، واغتر بها البعض فذكرها في كتبه، وتنبه إليها بعضهم؛ فلم يخدع بها بل نبه على وضعها.
ومن المآخذ التي أخذتها على مؤلف هذا الكتاب أنه يذكر بعض الأقوال الشاذة والآراء الباطلة، ويمر بها من غير أن يفندها ويبين بطلانها، وليس من شك في أن ذكر هذه الآراء من غير تمحيص، وتحقيق، يضر بالقارئ