من الحرام، وهو دستور المسلمين الأكبر، إليه يرجعون في الحكم والسياسة، والولاية، والإدارة، والاقتصاديات، والأخلاقيات، والأحلاف، والمعاهدات والمصالحات، والمهادنات ومعرفة حقوق الإنسان، وعلاقات الأفراد، والجماعات، فالقرآن هو الذي يضع الخطوط العريضة والقواعد الدقيقة، والأصول الأصيلة لكل ذلك، وإنه ليحسن في هذا المقام أن نذكر بالحديث الجامع في وصف القرآن الذي سقته في صدر الكتاب، روى الترمذي في سننه عن الحارث الأعور قال:
مررت في المسجد، فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ترى الناس قد خاضوا في الأحاديث! قال: أو قد فعلوها قلت: نعم، قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة» فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله قال: «كتاب الله.
فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد- وفي رواية عن- ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذا سمعته حتى قالوا:
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط المستقيم» خذها إليك يا أعور. قال الترمذي: حديث غريب وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث: مقال: إن كتابا هذا بعض شأنه لا بد أن يحفظه المسلمون، وأن يتنافسوا فيه: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ.
إننا نجد في القديم والحديث أصحاب الدساتير، وأصحاب القوانين يعنون غاية العناية بدساتيرهم، وأصول قوانينهم، ويضعون لها التفاسير، والشروح فما بالك بالقرآن، وهو دستور الدساتير، والقانون الذي لا يدانيه قانون، والتشريع الذي لا يساميه تشريع وصدق الحكيم العليم: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ