والكتابة؛ وقد أنشئت هذه الكتاتيب في عهد مبكر، وكان لها آثارها العظيمة في حفظ القرآن الكريم فقد ثبت وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من القادرين من أسرى بدر الفداء؛ ومن لم يكن قادرا قبل منه تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة وطبعي أنهم كانوا يزاولون ذلك في مكان غير المسجد النبوي، لأن المشرك ممنوع من دخوله؛ ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس، قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة فجاء غلام يبكي إلى أمه فقالت: ما شأنك قال: ضربني معلمي:
فقالت: الخبيث يطلب بذحل (١) بدر: والله لا تأتيه أبدا.
ثم أنشئت كتاتيب بعد ذلك؛ وكثرت كثرة خارجة عن الحصر حتى لا تجد مصرا أو بلدا إلا وفيه كتاب؛ وكتاتيب.
وقد كانت مصر- حرسها الله- بمدنها؛ وقراها، وكفورها ودساكرها ونجوعها غاصة بالكتاتيب؛ وفي هذه الكتاتيب حفظ ألوف الألوف القرآن الكريم، وقد كانت هذه الكتاتيب هي الروافد التي تمد الأزهر الشريف بألوف الطلاب كل عام؛ والكثيرون من هؤلاء صاروا أئمة في الفقه والفتوى؛ وفي التفسير؛ والحديث وعلوم اللغة واللسان، والعلوم العقلية والكونية، ومنهم من أثر في إصلاح حياة مصر، بل إصلاح حياة الدول الإسلامية والعربية دينيّا وسياسيّا، واجتماعيّا في العصر الأخير، وكان له الفضل الكبير في إزالة كابوس الاستعمار. والحكام الظالمين المستبدين كعرابي، ومحمد عبده، وسعد زغلول وغيرهم كثير.
وبعد هذا المطاف الطويل نصل إلى هذه النتيجة وهي أن القرآن الكريم توفر له من دواعي الحفظ له والمحافظة عليه ما لم يتوفر لكتاب قط لا في القديم، ولا في الحديث، ولا سماويّا، ولا أرضيّا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(١) وهو الثأر والعداوة كما في المسند (١/ ٢٤٧ رقم ٢٢١٦). الناشر.