صلى الله عليه وسلم قد سمعه يقرأ القرآن فأعجبه. فقال له:«لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» المراد داود نفسه؛ لأنه لم ينقل أن أحدا من أولاد داود. ولا من أقاربه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي. والمراد بالمزمار الصوت الحسن، وأصله الآلة أطلق على الصوت الحسن للمشابهة.
وروى ابن حبان وغيره:«زينوا القرآن بأصواتكم» وفي لفظ عند الدارمي: «حسنوا القرآن بأصواتكم. فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» وأخرج البزار وغيره حديث: «حسن الصوت زينة القرآن» وفيه أحاديث صحيحة كثيرة. فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج إلى حد التمطيط.
القراءة بالألحان والتطريب، والترنيم، والنغم. وإليك الحكم في هذا؛ قال الإمام النووي: وأما القراءة بالألحان فنص الشافعي في المختصر أنه لا بأس بها. وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة. فقال أصحابه: ليس الأمر على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين. فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز، وإلا حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم، وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعاية وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية: إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب وإلا فلا.
وأغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقا.
وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة، وهو شذوذ لا يعرج عليه.
والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث، وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح؛ ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم فإن حسن الصوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت