وطالبهم بالتخلي عمّا هم منغمسون في حمأته من كفر وجهل ومنكرات مرة واحدة لما استجاب إليه أحد، ولما وفّق الرسول في أداء مهمته، ولعاد ذلك بالنقض على الشريعة الجديدة.
لذلك اقتضت حكمة الله سبحانه- ولله الحكمة البالغة- أن يتدرج معهم في انتزاع هذه العقائد والمنكرات، فينهاهم عن عبادة غير الله، فإذا ما أقلعوا عنه، أخذ في النهي عن منكر غيره .. وهكذا.
وكذلك كان القرآن يتدرج معهم في انتزاع المنكر الواحد، كما حدث في تحريم الخمر، فقد نزل فيها أول ما نزل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة: ٢١٩] فشربها قوم، وتركها آخرون، ثم إن بعض المسلمين صنع طعاما، ودعا أصحابه؛ فأكلوا وشربوا ثم قام أحدهم ليصلي بهم، فقرأ «قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون» فأنزل الله- سبحانه-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء: ٤٣] فكانوا يتركونها عند الصلوات، وفي الأوقات القريبة منها؛ حتى لا يقعوا في مثل هذا الخلط.
وبذلك صار من السهل تحريمها تحريما باتّا قاطعا؛ فقد صنع بعض المسلمين طعاما، فأكلوا وشربوا حتى لعبت الخمر برءوسهم فتقاولوا الأشعار فتشاجروا حتى شج أحدهم رأس الآخر، فقال الفاروق «عمر»:
«اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا» فحرّمها الله تحريما باتّا بقوله: