المسلم، وأن الأسباب العادية لا ينبغي أن تشغل المسلم عن اللجوء إلى الله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [سورة آل عمران: ١٢٦].
ومثل ما حدث من «حاطب بن أبي بلتعة» قبيل الفتح فقد كان رسول الله حريصا على أن تتم غزوة الفتح في سرية تامة ولكن حاطبا كان له أهل في مكة وكانوا ضعفاء فأحب أن تكون لهم يد على قريش كي يكرموا أهله فأرسل إلى قريش رسالة في السر بخبر الغزوة ولكن الوحي نزل مخبرا لرسول الله، فأرسل من أحضر الرسالة، وقد حاول بعض الصحابة قتله، زاعما أنه بعمله صار منافقا ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما استمع إلى وجهة نظره وعلم صدقه عفا عنه، فأنزل الله في ذلك آيات وهو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ... (١) الآيات [سورة الممتحنة: الآية الأولى وما بعدها].
ومعلوم أن هذه الأغلاط لم تقع في وقت واحد: فكان نزول القرآن مفرقا لذلك.
٤ - تحذير المسلمين من المنافقين، والكشف عن خبيئة نفوسهم فقد كانوا بحكم تظاهرهم بالإسلام، يختلطون بالمسلمين، ويطلعون على أسرارهم وأحوالهم فينقلونها إلى الأعداء، أو يرجفون بها في المدينة، فكان ضرر هؤلاء المخالطين المداجين على المسلمين أشد من ضرر الأعداء المكاشفين، فلا عجب أن كشف الله أستارهم، وشنع عليهم أشد التشنيع في كثير من الآيات، فقد كان لهم بالمرصاد، فكلما بيتوا أمرا أطلع الله عليه رسوله والمؤمنين، أو كادوا مكيدة ردها الله في نحورهم، أو أخفوا قولا أظهره الله.
وطبعي أن هذه الأمور المبيّتة، والمكايد المدبرة، والأقوال السيئة التي كانت تصدر عنهم لم تكن في وقت واحد، بل كانت في أزمنة متفرقة، فمن ثمّ جاء القرآن مفرقا.