للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة» (١).

وقد ذم الله الدنيا إذا لم تستخدم في طاعة الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالم، أو متعلمٌ» (٢) وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله عز وجل؛ (٣) ولهوانها على الله عز وجل لم يبلِّغ رسولَه صلى الله عليه وسلم فيها وهو أحب الخلق إليه، فقد «مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير» (٤) ومما يزيد ذلك وضوحا وبيانا حديث سهل بن سعد رضي الله عنه يرفعه: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» (٥) فينبغي للداعية أن لا ينافس في الدنيا، ولا يحزن عليها، وإذا رأى الناس يتنافسون في الدنيا، فعليه تحذيرهم، وعليه مع ذلك أن ينافسهم في الآخرة. والله المستعان.

سابعا: أهمية التأكيد بالقسم في الدعوة إلى الله عز وجل: دل هذا الحديث على التأكيد بالقسم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فوالله لا الفقر أخشى عليكم،


(١) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، ٤/ ١٣٧٥، برقم ٤١٠٥، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٩٥٠، وصحيح الجامع ٥/ ٣٥١.
(٢) الترمذي بلفظه، كتاب الزهد، باب: حدثنا محمد بن حاتم، ٤/ ٥٦١، برقم ٢٣٢٢، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، ١٢/ ١٣٧٧، برقم ٤١١٢، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٣٤، برقم ٧١، و ١/ ٦ برقم ٧.
(٣) قوله: "وما والاه" أي ما يحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات والمفاضلات ومستحسنات الشرع. وقوله: "وعالم أو متعلم" والرفع فيها على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يُحمدُ مما فيها "إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالم أو متعلم" والعالم والمتعلم: العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين، انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ١٠/ ٣٢٨٤ - ٣٢٨٥، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للملا علي قاري، ٩/ ٣١، وتحفة الأحوذي على شرح سنن الترمذي، ٦/ ٦١٣.
(٤) انظر: البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، ٣/ ٤٦، برقم ٢٢٠٠، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر ٣/ ١٢٦٦، برقم ١٦٠٣.
(٥) الترمذي، ٤/ ٥٦٠، برقم ٢٣٢٠، وابن ماجه، ١٤/ ١٣٧٦، برقم ٤١١٠، وتقدم تخريجه في الحديث رقم ٧٧، الدرس الثالث، ص ٤٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>