للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من صفات الداعية: الفصاحة والبلاغة: لا شك أن الفصاحة والبلاغة من الصفات التي ينبغي للداعية أن يتحلى بها حسب الاستطاعة، وقد دل هذا الحديث على ذلك؛ لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه لعامل كسرى: «نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينما نحن كذلك إذ بعث رب السماوات والأرضين- تعالى ذكره وجلت عظمته- إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم»، قال الكرماني رحمه الله: "فيه فصاحة المغيرة من حيث إنَّ كلامه مبيِّن لأحوالهم فيما يتعلق بدنياهم: من المطعوم والملبوس، وبدينهم من العبادة، وبمعاملتهم مع الأعداء: من طلب التوحيد أو الجزية، ولمعادهم في الآخرة إلى كونهم في الجنة، وفي الدنيا إلى كونهم ملوكا، مُلَّاكا للرقاب " (١) أي الكافرة المعاندة، وهذا يؤكد أهمية البلاغة للداعية (٢).

ثالثا: أهمية مراعاة أوقات نشاط المدعو: إن مراعاة أوقات نشاط المدعو من الأمور المهمة التي ينبغي للداعية العناية بها؛ ولهذا ثبت في هذا الحديث ما يدل على ذلك؛ لقول النعمان رضي الله عنه: «لكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات»، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: "أن هذا يدل على فضل القتال بعد زوال الشمس على ما قبله، ولا يعارضه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير صباحا؛ لأن هذا عند المصافة، وذاك عن الغارة" (٣) وهذا يؤكد أهمية مراعاة أوقات نشاط المدعو (٤).


(١) شرح الكرماني على صحيح البخاري، ١٣/ ١٢٨، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ٦/ ٢٦٤.
(٢) انظر: الحديث رقم ٥٣، ٥٤ و ٥٥، الدرس الثاني.
(٣) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ٢٦٦.
(٤) انظر: الحديث رقم ٧، الدرس الثامن، ورقم ٣٣، الدرس الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>