للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاسعا: أهمية الانقياد والتسليم لأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الانقياد والتسليم والقبول لأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أعظم الواجبات والفروض المتحتمات على كل مسلم، وخاصة الداعية إلى الله عز وجل، وقد دل هذا الحديث على ذلك لقول سهل بن حنيف رضي الله عنه: «فلقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أرد على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره لرددت، والله ورسوله أعلم»، وهذا يدل على كمال الانقياد لأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم بلغ بهم الغيظ مبلغا عظيما على المشركين يوم صلح الحديبية؛ لأن في العهد أن يرد رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أسلم من المشركين إلى مكة ولا يرد المشركون من جاءهم من المسلمين، وبعد الموافقة على ذلك «جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسُفُ في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل بن عمرو: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنا لم نقض الكتاب بعد "، قال فوالله إذًا لم أصالحك على شيء أبدا، فطلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سهيل أن يجيزه له فمنع، فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت؛ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله. وهذا الذي أغضب عمر كثيرا، فجاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: ألست نبي الله حقا؟ قال: " بلى"، قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: " بلى "، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟! قال: " إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري "، قال عمر: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: " بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ " قال عمر: لا، قال: " فإنك آتيه، ومطوف به» (١) وفعلا جعل الله هذا الصلح فتحا ونزلت سورة الفتح، وكان هذا الصلح خيرا للمسلمين والحمد لله.

والمقصود أن الانقياد والاستسلام لأمر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لازم، ولو يعلم الإنسان الحكمة؛ قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦] (٢) وقال عز وجل: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: ٥٤] (٣)


(١) البخاري برقم ٢٧٣١، ومسلم برقم ١٧٨٣ - ١٧٨٥، وتقدم تخريجه في آخر الدرس الرابع من هذا الحديث ص ١٠٦٣.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٣٦.
(٣) سورة النور، الآية: ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>