للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حين ظهر من أصحاب علي رضي الله عنه كراهة التحكيم فأعلمهم بما جرى يوم الحديبية من كراهة أكثر الناس الصلح وأقوالهم في كراهيته، ومع هذا فأُعْقِبَ خيرا عظيما، فقررهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصلح مع أن إرادتهم كانت مناجزة كفار مكة بالقتال " (١) فينبغي للداعية أن يكون حريصا على الإصلاح بين الناس؛ لما في ذلك من الفضل العظيم؛ ولهذا الفضل قال الله عز وجل: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ١١٤] (٢) وقال عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] (٣) وقال عز وجل: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] (٤).

وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] (٥) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل سلامى (٦) من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة (٧) وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط (٨) الأذى عن الطريق صدقة» (٩) وعن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس،


(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٢/ ٣٨٣.
(٢) سورة النساء، الآية: ١١٤.
(٣) سورة الأنفال الآية: ١.
(٤) سورة النساء، الآية: ١٢٨.
(٥) سورة الحجرات، الآية: ١٠.
(٦) السلامى: جمع سلامية، وهي الأنملة من أنامل الأصابع، وقيل: واحده وجمعه سواء، ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان، وقيل: السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام: والمعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع اللام، ٢/ ٣٩٦، ويوضح هذا حديث عائشة رضي الله عنها ترفعه: " إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله عز وجل، وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" [مسلم برقم ١٠٠٧].
(٧) تعدل بين اثنين: أي تصلح بينهما بالعدل. شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٩٩.
(٨) تميط الأذى عن الطريق: أي تنحيه وتبعده عنها. تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص ٢١٧.
(٩) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أخذ بالركاب ونحوه، ٤/ ١٩، برقم ٢٩٨٩، ومسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، ٢/ ٦٩٩، برقم ١٠٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>