للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بين أنه لا يبخل عليهم إذا وجد مالا؛ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم لا تجدوني بخيلا»، وقد ذكر الله - تعالى - الوعد الحسن وحثّ عليه لمن لم يجد مالا فقال سبحانه: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: ٢٨]

وقد نظر - صلى الله عليه وسلم - إلى أحوال المدعوين وأنهم من الأعراب الجفاة فلم يعاقبهم على سوء أدبهم معه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يبيّن، ويوضح لأتباعه أهمية الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -.

تاسعا: من موضوعات الدعوة: الحث على مكارم الأخلاق: في هذا الحديث الشريف دعوة للأمة للتحلِّي بمكارم الأخلاق، وأصول الحِكَم، فقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع الناس في هذا الحديث وفي غيره إلى التحلي بالشجاعة، والكرم، والجود، والصدق، والصبر والتحمل (١) وذلك بفعله وقوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن فعله وتقريره، وقوله دعوة لأمته. ودعا الناس في هذا الحديث إلى ترك الكذب، والبخل، والجبن، وذلك بنفيها عن نفسه والتنفير عن هذه الأخلاق الذميمة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا»؛ قال العلامة العيني، رحمه الله تعالى: " وهذا من جوامع الكلم إذ أصول الأخلاق: الحكمة، والكرم، والشجاعة. وأشار بعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية: أي الحكمة، وبعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية: أي الشجاعة، وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوية: أي الجود، وهذه الثلاث هي أمهات فواضل الأخلاق، والأول هو مرتبة الصِّدِّيقين، والثاني هو مرتبة الشهداء، والثالث هو مرتبة الصالحين اللهم اجعلنا منهم " (٢).

ودعا - صلى الله عليه وسلم - الأمة كلها جمعاء إلى العمل بهذه المكارم، وحذرها تعريضا وتلميحا في هذا الحديث من مساوئ ومفاسد الأخلاق الذميمة؛ فإن الداعية يجب عليه أن يبتعد عنها وخاصة هذه الخصال المذكورة في الحديث:


(١) انظر: فتح الباري، لابن جحر، ٦/ ٢٥٤، وإرشاد الساري للقسطلاني، ٥/ ٥٤، وعون الباري لحل أدلة البخاري، لصديق بن حسن، ٣/ ٦٢١.
(٢) انظر: عمدة القاري، للعيني ١٤/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>