للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دل مفهوم الحديثين على ذلك، فقد ذكر كثير من العلماء أن سبب حفر الخندق مشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق؛ لأن سلمان قال: " إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا " فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة (١) وهذا وغيره يوضح للداعية أنه لا حرج من الاستفادة مما عند الآخرين إذا كان فيه نفع للإِسلام والمسلمين، وليس فيه مخالفة للشرع.

الثامن عشر: من صفات الداعية: الدقة في نقل الحديث: دل حديث البراء رضي الله عنه أن من الصفات التي ينبغي أن يعتني بها الداعية عناية خاصة: الدقة والصحة فيما يقول وينقل للناس؛ ولهذا جاء في هذا الحديث أن الراوي قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغمرَّ بطنه، أو اغبرَّ بطنه " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " شك الراوي " (٢) وهذا يدل على عناية السلف بضبط الحديث، وبيانه للناس على الوجه الأكمل (٣).

التاسع عشر: أهمية استجابة المدعو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: ظهر في هذين الحديثين أنه ينبغي للمدعو أن يستجيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويتحمل المشاق في سبيل العمل بهذا الدين، وقبول الدعوة: استجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٢٤] (٤) وقد ظهر ذلك في هذين الحديثين؛ لقول الصحابة رضي الله عنهم:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

فينبغي لكل عبد من عباد الله أن يستجيب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.


(١) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، ٣/ ٦٤٣، والبداية والنهاية لابن كثير ٤/ ٩٥، وزاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، ٣/ ٢٧١، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني، ٧/ ٣٩٣.
(٢) فتح الباري، ٧/ ٤٠١.
(٣) انظر: الحديث رقم ٢٠ و ٢١، الدرس العاشر.
(٤) سورة الأنفال، الآية: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>