للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من صفات النبي صلى الله عليه وسلم: الفصاحة والبلاغة: من الصفات الكريمة التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم: البلاغة والفصاحة؛ وقد ظهرت في قوله صلى الله عليه وسلم: «البركة في نواصي الخيل» وقوله صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير» قال القاضي عياض رحمه الله: " في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير " (١) وقال الإِمام القرطبي رحمه الله: " وهذا الكلام جمع من أصناف البديع ما يعجز عنه كلّ بليغ، ومن سهولة ألفاظه ما يعجب ويستطاب " (٢).

وهذا يبين أهمية البلاغة والفصاحة في الدعوة إلى الله عز وجل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس؛ لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» أو «إن بعض البيان سحر» (٣).

وهذا يبين للداعية أهمية الفصاحة والبلاغة وحسن الكلام، وبيان الحق للناس. والبيان نوعان: الأول ما يبيَّن به المراد، والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل به قلوب السامعين، وهذا النوع الذي يشبَّه به السحر، والمذموم منه ما يقْصد به الباطل، أما مَا يبيَّن به الحق للناس بعذوبة الكلام وفصاحته وبلاغته واقتصاده فهو المطلوب في الدعوة إلى الله عز وجل (٤).

وقد بين الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن المذموم من البيان ما يكون فيه صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام كأن يكون الإِنسان عليه حق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق، فيسحر الناس ببيانه، فيذهب بالحق (٥) وأما إذا كان البيان في تزيين الحق فهو الممدوح، وقد امتنّ الله بذلك على عباده حيث قال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ٣ - ٤] (٦) قال الحافظ ابن حجر


(١) نقلا عن فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر ٦/ ٥٦، وإكمال إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، لمحمد بن خليفة الأبي ٦/ ٥٩٦.
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأحمد بن عمر القرطبي ٣/ ٧٠٣.
(٣) البخاري، كتاب النكاح، باب الخطبة، ٦/ ١٦٧ برقم ٥١٤٦، وكتاب الطب، باب إن من البيان سحرا، ٨/ ٣٩.
(٤) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ٩/ ٢٠٢، و ١٠/ ٢٣٨.
(٥) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ١٠/ ٣٣٨.
(٦) سورة الرحمن، الآيتان: ٣ - ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>