للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقار، والتؤدة " (١) ومن كمال الحكمة والوقار والتؤدة أنه صلى الله عليه وسلم ناداه بقوله: " يا معاذ " مرتين ثم زاد في الثالثة " يا معاذ بن جبل " قال ابن أبي جمرة رحمه الله عن هذه الزيادة " إنما هي إشارة إلى أن هذه الثالثة آخر النداء فاسمع ما يلقى إليك؛ لأن زيادة (بن جبل) هو الكمال في التعريف، فإذا كمل الشيء فقد تم " (٢).

عاشرا: من أدب المدعو: الاقتراب من مجالس العلم: دل هذا الحديث على التأكيد والتنبيه على الاقتراب من حلقات العلم ومجالسه، وأن ذلك مما يعين السامع على الضبط؛ ولهذا قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: " ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل " قال الإِمام النووي رحمه الله: " أراد المبالغة في شدة قربه؛ ليكون أوقع في نفس سامعه؛ لكونه أضبط " (٣).

ومما يؤكد أهمية الاقتراب من مجالس العلم ما رواه البخاري رحمه الله عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الآخر فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم عن الثلاثة: أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه» (٤).

وهذا يبين أهمية الاقتراب من مجالس العلم وسد الفرج فيها.

الحادي عشر: من أدب الداعية: رد علم ما لا يعلمه إلى الله عز وجل: لا شك أنه ينبغي بل يلزم كل مسلم - وخاصة الداعية إلى الله سبحانه وتعالى - إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول: الله أعلم، أو لا أدري، أو سأراجع المسألة إن شاء الله، وقد دل هذا الحديث على هذا الأدب الكريم في قول معاذ بن جبل


(١) بهجة النفوس، ٤/ ١٤٣.
(٢) المرجع السابق ٤/ ١٤٣.
(٣) شرح صحيح مسلم ١/ ٣٤٤.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة فجلس فيها، ١/ ٢٨، برقم ٦٦، وكتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، ١/ ١٣٨، برقم ٤٧٢، ومسلم، في كتاب السلام، باب من أتى مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها، وإلا وراءهم، ٤/ ١٧١٣، برقم ٢١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>