للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصالة الرأي وإصابته؛ فإن من الحكمة أن يتنازل الداعية عن أشياء لا تضره بأصل قضيته؛ لتحقيق أشياء أعظم منها (١).

فينبغي للداعية أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في شجاعته وثباته، وصبره، وفى كل أحواله (٢).

ثالثا: من أسباب نصر الدعاة: عدم الإعجاب بالكثرة أو القوة: إن من أسباب النصر عدم الإِعجاب بالكثرة والقوة، بل ينبغي التواضع والتذلل لله عز وجل والتوكل عليه والاعتماد؛ لأن ما حصل من الفرار يوم حنين في أول المعركة بسبب الإِعجاب بالكثرة؛ قال الله عز وجل: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: ٢٥ - ٢٦] (٣).

وكان من أسباب ذلك " أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال: يا رسول الله، لن نغلب اليوم من قلة، وأعجبه كثرة الناس، وكانوا اثني عشر ألفا، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فَوكِلوا إلى كلمة الرجل فانهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير العباس، وأبي سفيان بن الحارث، وأيمن ابن أم أيمن قتل يومئذِ بين يديه. . " (٤) وكانوا عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفين من الطلقاء الذين أسلموا يوم الفتح، وهم الذين فرّوا بالناس لحداثتهم بالإِسلام (٥).

وهذا يبيِّن للدعاة إلى الله عز وجل أن النصر بيد الله تعالى وأن الإِعجاب بالكثرة أو القوة من أسباب الهزيمة والخذلان.


(١) انظر: وثيقة صلح الحديبية، في صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحروب، وكتابة الشروط ٣/ ٢٣٦، برقم ٢٧٣١، ٢٧٣٢، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ٥/ ٣٣٣ - ٣٥٢.
(٢) وانظر: الحديث رقم ٣٥، الدرس الخامس.
(٣) سورة التوبة، الآيتان: ٢٥ - ٢٦.
(٤) أخرجه الطبري بإسناده في جامع البيان عن تأويل آي القرآن ١٤/ ١٨٢.
(٥) انظر: المرجع السابق ١٤/ ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>