للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ليس لخطابه وجه، أن يمسك " (١).

عاشرا: من صفات الداعية: عدم الحرص على الإمارة والعلوِّ في الأرض والجاه: لا شك أن في هذا الحديث الدلالة على أن من صفات الداعية المخلص: عدم حب العلوِّ في الأرض والجاه، وقد ظهر ذلك لمالك بن أوس عندما قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " يا مالك إنه قد قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه، فاقسمه بينهم، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لو أمرت له غيري؛ فقال عمر رضي الله عنه: فاقبضه أيها المرء "، وهذا يدل على عدم رغبة مالك رضي الله عنه في العلوِّ والجاه، ويدل أيضا على حكمته ولطف كلامه مع إمام المسلمين؛ ولهذا قال: " يا أمير المؤمنين لو أمرت له غيري؟ " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه استعفاء المرء من الولاية، وسؤاله الإِمام ذلك بالرفق " (٢).

فينبغي للداعية أن لا يرغب في الجاه ولا ينازع الأمر أهله، ولا يحب العلوَّ في الأرض؛ قال الله عز وجل: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣] (٣). وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن طلب الإِمارة، فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعِنْتَ عليها» (٤)؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّا والله لا نولِّي هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه» (٥) وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله، ألا تستعملني؛ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: " يا أبا ذر إنك ضعيف،


(١) الإِفصاح عن معاني الصحاح، ١/ ١٤٢.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٦/ ٢٠٨.
(٣) سورة القصص، الآية: ٨٣.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ٧/ ٢٧٥، برقم ٦٦٢٢، ومسلم، في كتاب الإمارة، باب النهي عن طلب الإِمارة والحرص عليها، ٣/ ١٤٥٦، برقم ١٦٥٢.
(٥) مسلم، كتاب الإِمارة، باب النهي عن طلب الإِمارة، ٣/ ١٤٥٦، برقم ١٧٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>