للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطفيل - رضي الله عنه -: يا رسول الله، إن دوسا عصت وأبت فادع الله عليهم تأنى - صلى الله عليه وسلم - فلم يعجل بالعقوبة بالدعاء، وإنما دعا لهم فقال: «اللهم اهد دوسا وائت بهم» قال العلامة العيني رحمه الله " كان يحب دخول الناس في الإسلام، فكان لا يعجل بالدعاء عليهم ما دام يطمع في إجابتهم إلى الإسلام " (١). وهذا يدل على كمال أناته وتثبته صلى الله عليه وسلم.

فينبغي للداعية أن يتصف بالتثبت والأناة؛ لأن الله - عز وجل - أمر بالأناة والتثبت فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦] (٢).

ولا شك أن الأناة: هي التبين والتثبت في الأمور، والتبصر والتأمل، ويقال: تبصر الشيء، وتأمل في رأيه: تبين ما يأتيه من خير أو شر (٣).

فالأناة: التأني والتثبت وترك العجلة، حتى يستبين الصواب (٤). يقال: تثبت في الأمر والرأي واستثبت: تأنى فيه ولم يعجل، واستثبت في أمره، إذا شاور وفحص عنه (٥). والأناة في الحقيقة: التصرف الحكيم بين العجلة، والتباطؤ، وهي من صفات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة؛ فإنها من صفات أصحاب الرعونة والطيش، وهي تدل على أن صاحبها لا يملك الإرادة القوية القادرة على ضبط نفسه تجاه انفعالاته العجولة، وبخلاف التباطؤ والتواني فهما من صفات أصحاب الكسل والتهاون في الأمور، ويدلان على أن صاحبهما لا يملك الإرادة القوية على دفع همته للقيام بالأعمال التي تحقق له ما يرجوه، أو ليس له همة عالية تنشد الكمال، فهو يرضى بالدنيات إيثارا للراحة، وكسلا عن القيام بالواجب.

فينبغي للداعية أن يكون متثبتا متأنيا، ولا يكون عجولا ولا كسولا؛ فإن الأناة تعينه على وضع الأمور في مواضعها، بخلاف العجلة؛ فإنها تعرضه لكثير


(١) عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، ١٤/ ٢٠٨.
(٢) سورة الحجرات، الآية: ٦.
(٣) انظر: القاموس المحيط، للفيروز آبادي، باب الراء فصل الباء، ص ٤٤٨.
(٤) تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص ١٦١.
(٥) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب التاء فصل الثاء، مادة: " ثبت " ٢/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>