كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري

باب السير وحده - حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده - ج: 2 - ص: 655

من يصلي معه جماعة، ودنيوي؛ لأنه لا يجد المعين في الطريق، وقيد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السير بالليل: «ما سار راكب بليل وحده»؛ لأن احتمال الضرر في الليل أكبر، وإلا فالمشروع أن لا يسافر المسلم وحده بليل ولا نهار إلا لضرورة أو مصلحة لا تنتظم إلا بالانفراد، كإرسال الجاسوس، والطليعة (١).

قال ابن حجر رحمه الله: "ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة" (٢) قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب» (٣). قال الإمام الخطابي رحمه الله؛ "معناه والله أعلم: أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه، فقيل على هذا: إن فاعله شيطان. ويقال: إن اسم الشيطان مشتق من الشطون: وهو البعد والنزوح، ويقال: بئر شطون: إذا كانت بعيدة المهوى، فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاهئًا للشيطان في فعله، وشبه اسمه، وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث، فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب: أي جماعة وصحب" (٤) ويوضح معنى الحديث ما رواه سعيد بن المسيب مرسلًا، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشيطان يهم بالواحد، والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم» (٥). قال الإمام ابن عبد البر: "كان مالكًا رحمه الله يجعل الحديث الثاني في هذا

---

(١) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، ٨/ ٢٦٧٨، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ٥/ ٣٣٦، وفتح الباري لابن حجر، ٦/ ٢٣٨، وعمدة القاري للعيني ١٤/ ٢٤٨.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ٢٣٨، وانظر: عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، لابن العربي، ٤/ ١٤٥.
(٣) أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرجل يسافر وحده، ٣/ ٣٦، برقم ٢٦٠٧، والترمذي، وحسنه، في كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، ٤/ ١٩٣، برقم ١٦٧٤، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ٢/ ١٠٢، وأحمد في المسند ٢/ ١٨٦، والبغوي في شرح السنة وحسنه ١١/ ٢١ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(٤) معالم السنن للخطابي ٣/ ٤١٣.
(٥) مالك في الموطأ، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء، ٢/ ٩٧٨، وقال ابن عبد البر: وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوصله وأسنده. الاستذكار ٢٧/ ٢٦٧ برقم ٤١٠٨٦، وقد ذكر إسناده في التمهيد ٢٠ ٨.