للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحده ثم باتحاد الرأي وعدم التفرقة؛ ولهذا أمَّر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - عاصم بن ثابت على الرهط الذين بعثهم وفيهم خبيب - رضي الله عنهم، وقد كان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - يقول: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم» (١).

ولا شك أن تأمير الأمير على المسافرين والسرايا والبعوث يكون أجمع لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم (٢).

ثالثا: أهمية أخذ الداعية بالشدة والقوة عند الحاجة أو المصلحة: لا شك أن من الأعمال الجليلة للداعية الأخذ بالقوة والشدة عند الحاجة أو المصلحة الراجحة؛ ولهذا قال عاصم بن ثابت أمير السرية: " أمَّا أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك " فرماه المشركون ومن معه بالنبل حتى قتلوا عاصما وسبعة معه، ونزل إليهم خبيب وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق الظفري بالعهد والميثاق، فلما استمكن المشركون من الثلاثة أوثقوهم، فقال عبد الله بن طارق (٣) " هذا أول الغدر والله لا أصحبكم " فقتلوه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة - رضي الله عنهما. وهذا يؤكد على أهمية الأخذ بالشدة والقوة عند الحاجة أو المصلحة كما أخذ بها عاصم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

رابعا: من صفات الداعية: الأمانة: ظهر في هذا الحديث أهمية صفة الأمانة للداعية؛ لأن الداعية الصادق لا يغدر، ولا ينقض عهده؛ ولهذه الصفة الكريمة قالت بنت الحارث عن خبيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قطَّ خيرا من خبيب ".

وهذا يدل على أمانة خبيب؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه


(١) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، ٣/ ٣٦، برقم ٢٦٠٨، ٢٦٠٩ من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما -، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/ ٤٩٤، ٤٩٥: "حسن صحيح ".
(٢) انظر: معالم السنن للخطابي ٣/ ٤١٤، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة محمد شمس الحق العظيم أبادي، ٧/ ٢٦٧.
(٣) انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، ١٦/ ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>