فقال أبي: ما الخبرُ؟ قال: ماتَ الحجّاج، قال أبو عمرو: فأنا بقوله: له فَرْجةٌ أشدُّ سُروراً مني بموتِ الحجّاج، قال: فقال أبي: اصرِفْ رِكابَنا إلى البصرة، قال: وكنت يومئذٍ قد خَنَّقْتُ بِضْعاً وعشرين سنة. . . ربّما تَكره النفوسُ. . . البيت هو لأميّةَ بنِ أبي الصَّلت وقبله:
لا تَضِيقَنَّ في الأمورِ فَقَدْ تُكْ ... شَفُ غَمَّاؤُها بغيرِ احْتيالِ
ومن بديعِ هذه اللُّغةِ العربية الكريمة أنّها تفرِّق بين فَرْجة بفتح الفاء وبينها بالضّم، فالأولى: التفصّي من الهَمِّ، والأخرى، أي الفُرْجة بالضّم: كلّ منفرجٍ بين جبلين ونحوِهما. والغمّاء:
الكرب وقالوا: خَفِ المَضارَّ مِنْ خَلَلِ المَسار، وارْجُ النَّفعَ مِن مَوضعِ المَنْع، فأكثرُ ما يأتي الأمنُ مِنْ مَحَلِّ الفَزَع، وقالوا: أعناقُ الأمورِ تتشابه، فرُبَّ مَحبوبٍ في مكروهٍ ومكروهٍ في محبوبٍ ومغبوط بنعمةٍ هي داؤُه ومرحومٍ مِنْ داءٍ فيه شفاؤُه. . . وقالوا: ربَّ سلامةٍ تكونُ للتَّلفِ سبباً، ومكروهٍ يكون للنجاةِ مُفْتاحاً:
وقد يَأسَفُ المَرْءُ مِن فَوتِ ما ... لَعلَّ السَّلامةَ في فَوْتِهِ
وقال حكيم: لله مصالحُ في مكارِه عبادِه، وقالوا: العاقلُ لا يجزعُ لأوَّلِ نكبةٍ ولا يفرحُ بأوَّلِ نعمةٍ فربّما أقلعَ المحبوبُ عمّا يَضُرُّ وأسفرَ المكروهُ عمّا يَسُرُّ. . . وقال سيّدُنا رسولُ الله (اشْتدّي أزمةُ تَنْفَرجي) الأزمة: الشِّدّةُ والقَحْط ويُقال في ذلك: إنَّ الشدَّةَ إذا تتابَعَتْ انفرجَتْ وإذا توالَتْ تولّت. . والأصلُ في هذا المعنى قولُ اللهِ جلَّ شأنُه {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}.