تغسله لِعُكوفِهما على ما يُوجب الغُسْل، وإنّما خَصَّ الحَرام لأنّه جعلها زائرة غريبة ولم يَجْعلْها زوجةً ولا مملوكةً. . . وقوله: كأنّ الصبحَ. . . البيت يقول: إنّها تفارقه عند الصبح فكأنَّ الصُّبحَ يطردها، وأنّها إذا فارقته تجري مدامعُها من أربعةٍ سِجامٍ، يريد كثرةَ العرق - عرق الحمُّى - فكأنّها تبكي عند فراقِه لِحُبِّها إياه، وأراد بالأربعة: اللَّحاظين والمُوقَين للعينَين. وقوله: أراقبُ وقتها إلخ يقول: أنتظر وقتَ مجيئِها كما ينتظرُ المَشوقُ مجيءَ حبيبه، وذلك أنّ المريض يجزعُ لوُرودِ الحُمّى، فهو يُراقب وقتها خوفاً لا شوقاً. ثم قال: ويَصدق وعدُها، يقول: إنّها صادقةُ الوعد في الورود وذلك الصدق شَرٌّ من الكذب، لأنه صدقٌ يضر ولا ينفع كمن أوْعدَ ثم صَدقَ في وعيدِه. . . وقال المتنبي أيضاً:
ومَنازلُ الحُمَّى الجسومُ فقلْ لَنا ... ما عُذْرُها في تَرْكِها خَيْراتِها
أعْجَبْتها شَرفاً فطالَ وُقوفُها ... لِتأمُّلِ الأعْضاءِ لا لأذاتِها
يقول المتنبي لهذا الممدوح - وكان مُصاباً بالحمُّى - إنَّ جِسمكَ خيرُ الأجْسامِ فلا عُذْرَ للحمُّى في تركه، لأنّ محلَّها الأجْسام! ثمّ قال: إنّ الحمُّى لمَّا رأتْكَ في المَحَلِّ الأرْفعِ من الشرفِ والكرمِ والنُّبْل أعْجَبْتها فأقامَتْ في بدنِكَ لتأمُّلِ أعْضائِكَ التي اشْتَملتْ على تلك المحامِدِ، لا لأنّها تريد أن تؤذيَك. . . وقال الشاعر أبو الفتح كُشاجم في عليّ بن سليمان الأخفش: