للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (لا يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وحدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي حزرة حدثنا عبد الله بن محمد -قال ابن عيسى في حديثه: ابن أبي بكر ثم اتفقوا- أخو القاسم بن محمد قال: كنا عند عائشة رضي الله عنها فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي، فقالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)].

وفي رواية مسلم: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان).

وقوله: (لا يصلى بحضرة الطعام) لا يصلى أو لا يصلي، محتمل، يعني: لا يصلي الرجل، أو لا يصلى، فرواية: (لا يصلى) نفي، مثل رواية: (لا صلاة بحضرة الطعام)، وإن كانت: (لا يصلي) -يعني: الرجل- فتكون للنهي، ويكون النهي للتحريم عند الظاهرية، فعندهم أن النفي نفي لوجود الصلاة، فقوله: (لا صلاة) أي: لا صلاة شرعية، ولا وجود للصلاة، ولا تصح الصلاة عند حضرة الطعام.

والجمهور على أن النهي للتنزيه، والنفي نفي الكمال، يعني: لا صلاة كاملة بحضرة الطعام.

وعلى كل حال لا شك أن الأولى هو أن يستفرغ الإنسان.

أما صلاة من يدافعه الأخبثان أو من كان بحضرة الطعام فهي إما باطلة وإما مكروهة، لكن إذا كانت مدافعة يسيرة ليست شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وأما إذا كانت المدافعة شديدة فلا ينبغي، وهذا عذر في ترك الجماعة، ولو فاتته الجماعة، فمن كان بحضرة طعام ونفسه تتوق إليه فيقدم الطعام فهو أحق، وهذا عذر، وقد كان ابن عمر يتعشى وهو يسمع قراءة الإمام، وهذا من فقهه رضي الله عنه.

وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان هذا عذر في ترك الجماعة، فيستفرغ لو فرط في الجماعة؛ لأنه إذا صلى في هذه الحالة يكون قلبه مشوشاً، فإذا استفرغ أقبل على صلاته، فهذا من الأعذار في ترك الجماعة، فمن كان يدافعه الأخبثان ومن كان بحضرة طعام يشتهيه ونفسه تتوق إليه هذا معذور في ترك الجماعة.

أما إذا كان لا تتوق نفسه إليه فالأمر في هذا واسع، وإذا قدم الطعام فإنه يأخذ نهمته ولو بعد الأذان، لكن لا ينبغي للإنسان أن يعتاد تقديم الطعام بعد الأذان، فإذا سمع النداء قال: هاتوا الطعام، فإن هذا معناه التعمد لترك الجماعة، لكن إذا قدم بدون طلب وكان بحاجة، فيأخذ نهمته.

فإذا كان الإنسان جائعاً ونفسه تتوق وحضر الطعام فإنه في هذه الحالة يقدم الطعام ولو فاتته الجماعة، ويكون هذا عذراً له، كما أن من أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً فهذا عذر له في ترك الجماعة، وليس له أن يأتي المسجد، ولا أن يصلي مع الناس وله رائحة كريهة، ويكون هذا عذر في ترك الجماعة، لكن إذا تعمد أكل الكراث والثوم والبصل لترك الجماعة صار آثماً، لكن لو أكل بدون تعمد أو أكل محتاجاً لعلاج فهذا عذر، وكذلك الطعام إذا كان نفسه تتوق إليه عذر، وكذلك إذا كان يدافعه الأخبثان.

أما إذا كانت المدافعة ليست شديدة فأرجو ألا يكون حرج، وبكل حال فالصلاة إما مكروهة وإما باطلة، إما مكروهة مع الصحة وهو قول الجمهور، وإما باطلة كما يراه الظاهرية، والقول: ببطلانها قول قوي.

وأما الجمعة فوقتها واسع، يستطيع الإنسان أن يتهيأ لها قبل ذلك، فيحاول بقدر الإمكان أن يتقدم.

لكن لو اضطر إلى هذا بأن دافعه الأخبثان أو أصابه إسهال فهذا عذر له ولو فاتته الجمعة أو الجماعة، فإذا أحس في بطنه شيئاً يخرج وهذا عذر له.

<<  <  ج: ص:  >  >>