للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الراجح في كيفية التيمم]

وأحاديث التيمم كلها تدور على حديث عمار وأنه ضربة واحدة للوجه والكفين.

أما ما ورد في التيمم من أنه ضربتان كما سيأتي، وأنه تمسح بإحدهما اليدان إلى الآباط أو المرافق فهذا محمول على أنه اجتهاد من الصحابة، أو أن ذلك كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث عمار وأمثاله الدال على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عبد الله بن وهب حدثني يونس عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط، من بطون أيديهم)].

هذا الحديث أصله في الصحيحين كما سبق في حديث عمار، أما كونهم مسحوا أيديهم إلى المناكب والآباط، وكونهم أيضاً ضربوا ضربتين ضربة للوجه وضربة للكفين، فهذا محمول على أنه من اجتهادهم، وقياسهم في أول الأمر، فلما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيفية التيمم عملوا بها.

أو أنه مسوخ بحديث عمار في الصحيحين أن التيمم ضربة واحدة تمسح بها الوجه والكفين فقط، أما الصحابة الذين صلوا بغير وضوء، فالصواب أنه لا يجب عليهم إعادة الصلاة، وقال بعض أهل العلم: تجب عليهم إعادة الصلاة مرة أخرى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب نحو هذا الحديث قال: قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب، ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فذكر نحوه ولم يذكر المناكب والآباط.

قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين].

هذا حديث منقطع؛ لأن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر، لكن أخرجه النسائي وابن ماجة مختصراً من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار، فهو حديث موصول.

وعلى هذا فيكون لو صح حديث الضربتين فإنه من فعلهم.

وكذلك أيضاً قول ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري في آخرين قالوا: أخبرنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بأولات الجيش ومعه عائشة رضي الله عنها، فانقطع عقد لها من جزع ظفار: فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، فتغيظ عليها أبو بكر رضي الله عنه وقال: حبستِ الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط).

زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس].

وهذا الحديث ثابت وأصله في الصحيحين بدون زيادة مسح إلى المناكب والآباط.

والتعريس هو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة، والعقد الذي لـ عائشة من جزع ظفار، وهو خرز فيه سواد وبياض، وظفار بلدة في سواحل اليمن تأتي منها هذه الخرزات.

وفي هذا الحديث أن الله تعالى أنزل آية التيمم في هذه القصة، والتيمم التطهر بالصعيد، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم يأخذوا من التراب شيئاً؛ لأن المقصود ما يعلق باليدين من التراب، أما كونهم مسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب وإلى الآباط من بطون الأيدي، فهذا كما سبق إما من اجتهادهم، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه منسوخ، ولهذا قال ابن يحيى قال ابن شهاب في حديثه: لا يعتبر بهذا الناس، أيْ: لا يعتبرون بهذا الحديث ولا يأخذون به، ولم يذهب أحد إلى أنَّ التيمم إلى الآباط والمناكب؛ فلا يعمل بالتيمم إلى الآباط والمناكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>