للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في غسل الجمعة: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا معاوية عن يحيى أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- أخبره: (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت.

فقال عمر رضي الله عنه: والوضوء أيضاً أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل؟)].

قول المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في غسل الجمعة] يعني: ما حكمه؟ وهل هو واجب أو مستحب؟ والمؤلف رحمه الله لم يجزم بالحكم؛ لأنها مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، فقد اختلف العلماء في غسل الجمعة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه واجب، فكل من ذهب إلى الجمعة عليه أن يغتسل، واستدلوا بحديث: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وهو قول قوي، وعلى هذا فإن من لم يغتسل يوم الجمعة فإنه آثم وصلاته صحيحة، ويكون الغسل من طلوع الفجر يوم الجمعة، وأما قبل طلوع الفجر فلا يعتبر؛ لأن اليوم إنما يدخل بطلوع الفجر.

والقول الثاني -وهو قول جمهور العلماء-: أن الغسل مستحب وليس بواجب، وستأتي أدلتهم، وعلى هذا فالإنسان إن ترك الغسل يأثم ويكون تاركاً لمستحباً.

القول الثالث: أنه يجب على أهل المهن والعمال الذين تنبعث منهم الروائح الكريهة، وأما من عداهم فلا يجب عليه، وعلى هذا فإن من كان من أهل المهن ولم يغتسل يأثم، وإن لم يكن من أهل المهن ولم يغتسل لا يأثم، وسيأتي في حديث عائشة أن الناس كانوا مهان أنفسهم -أي: خدام أنفسهم- وكانت تنبعث منهم الروائح فقال صلى الله عليه وسلم: (لو اغتسلتم)، ولهذا لم يجزم المؤلف رحمه الله بحكم، وإنما قال: [باب في غسل الجمعة]، يعني: هل هو مستحب كما قال الجمهور، أو واجب كما قال به فريق من العلماء، أو واجب على أهل المهن؟ وهذا الحديث فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب في الناس الجمعة، وكان الأمراء والخلفاء هم الذين يتولون الخطابة في الجمعة والعيدين، فبينما هو يخطب رضي الله عنه إذ دخل رجل من السابقين الأولين، وهو عثمان رضي الله عنه، فأنكر عليه عمر رضي الله عنه وقال: أي ساعة هذه يا عثمان؟! يعني: لماذا تأخرت؟! وهذا فيه دليل على أنه ينبغي التبكير إلى الجمعة، ولا سيما للأكابر وأهل الفضل، فقال عثمان رضي الله عنه: ما هو إلا أن سمعت النداء فما زدت على أن توضأت.

فأنكر عليه إنكاراً آخر فقال: [والوضوء أيضاً!] يعني: لماذا لم تغتسل؟ ثم قال: [أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)] ولعل عثمان رضي الله عنه انشغل في هذه المرة وتأخر.

وفي الحديث بيان بعد عثمان رضي الله عنه عن الرياء، فإنه قال: [ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت].

وهذا الحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي والنسائي من رواية عبد الله بن عمر عن أبيه.

وهذا الحديث فيه دليل على أنه ينبغي لأهل العلم والفضل أن يبكروا في المجيء إلى صلاة الجمعة؛ لأنهم قدوة للناس، وفيه أن من تأخر عنها فإنه ينكر عليه، وقد اُستدل به على أن الغسل واجب؛ لأن عمر أنكر على عثمان رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) والأصل أن الأمر للوجوب.

ويحتمل أنه ليس بواجب كما قال الجمهور، ويكون قد أنكر عليه لترك السنن والمستحبات، ولا سيما إذا كان المرء من أهل الفضل ومن أهل العلم كـ عثمان رضي الله عنه، والحديث من أدلة من قال: بوجوب الغسل؛ لأن الأمر الأصل فيه أنه للوجوب والجمهور صرفوا هذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب لأحاديث أخرى، منها: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) ولكن هذا الحديث فيه ضعف، وهناك أدلة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>