للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (أقبل رسول الله من نحو بئر جمل، فلقيه رجل)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: التيمم في الحضر.

حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه فقال أبو جهيم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)].

وهذا الحديث أخرجه البخاري والنسائي، وأخرجه مسلم منقطعاً، وحديث أبي جهيم هذا وحديث عمار هما أصح ما ورد في التيمم.

قوله: (بئر جمل) موضعها، موضع الدخول بالمدينة.

قال أبو جهيم: (أقبل الرسول صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام)؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وهو ذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كره أن يذكر الله إلا على طهر؛ ولما كان الماء بعيداً عنه تيمم؛ لأجل أن يذكر الله، وإلا فإنه يجوز أن يرد السلام وليس على وضوء ولا حرج؛ لحديث عائشة في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه)، لكن هذا التطهر هو من باب الاستحبابـ والتيمم على الجدار جائز إذا كان فيه غبار.

قال النووي رحمه الله: إن حديث أبي جهيم هذا محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم، أي: ليس عنده ماء؛ فلهذا تيمم على الجدار، ووافقه الحافظ ابن حجر قال: إن هذا مقتضى صنيع البخاري.

والنووي استدل بهذا على جواز التيمم في الحضر إذا كان عادماً للماء، لكن الحافظ ابن حجر تعقبه وقال: إنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، ولم يجزه استباحة الصلاة، ما أراد استباحة الصلاة وإنما أراد به ذكر الله حتى يكون على طهر، وهذا من باب الاستحباب.

لكن بعضهم أجابوا وأخذوا من هذا أنه لما كان التيمم في الحضر لرد السلام مع جوازه، فإن من خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم من طريق أولى، لكن هذا ليس بشيء، وفيه نظر، والذي يظهر أنه لابد من الوضوء في الحضر للصلاة، فإذا كان واجداً للماء فلابد أن يتوضأ، ولابد أن يأتي بشرط الطهارة، ولو خشي فوات الوقت ما دام الماء موجود؛ لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣]، هذا هو الصواب، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تيمم لا ليصلي وإنما ليذكر الله، فلا يقاس عليه التيمم للصلاة؛ لأن التيمم للأمر المستحب أقل من التيمم للأمر الواجب، فلا يقاس عليه التيمم لأجل الصلاة، لكن إذا قيل: إن الماء بعيد، وإنه عادماً للماء في هذه الحالة فلا إشكال، فلو كان يريد الصلاة لتأخر حتى يصل إلى الماء ويتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام تيمم لأجل رد السلام؛ لأن هذا يفوت، والتيمم في الحضر لو فقد الماء لا مانع منه؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣].

والمؤلف رحمه الله استدل بهذه القصة على التيمم في الحضر، والتيمم في الحضر لا بأس به للصلاة، إذا عدم الماء، قال عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] فيتيمم ولو في الحضر، لكن الغالب أن فقد الماء يكون في غير الحضر.

أما الاستدلال بهذا الحديث على أنه يتيمم الإنسان لخوف فوات الفريضة، أو لخوف صلاة الجماعة، أو لخوف فوات الجمعة، كما استدل به بعضهم فليس بجيد، والصواب: أنه لا يتيمم في الحضر، إذا خشي فوات صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجنازة أو خوف فوات الوقت ما دام الماء موجوداً، لكن لو فقد الماء بالمرة وليس في المكان ماء فيتيمم؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:٤٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>