للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله اليسرى ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا)].

وهذا فيه عن عبد خير وهو من أصحاب علي، وفيه النص على أنه مسح رأسه مرة واحدة؛ لأنه قيدها بقوله: (مرة واحدة).

وفيه: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، فإنه مضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة، وهذا هو الأفضل، فالأفضل أن يأخذ كفاً من ماء، ثم يتمضمض ويستنشق، فبعض الكف يتمضمضه، وبعضه يستنشقه، ويستنثر بيده الأخرى، يفعل هذا ثلاثاً.

وإن تمضمض بكف واستنشق بكف فلا بأس، لكن الثابت في الأحاديث في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة.

قال في تخريجه: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية.

قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن أبي شيبة عن يحيى جاهلي.

وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة.

قلت: وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي: سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي رضي الله عنه فذكر عبد خير فيهم.

وقال الخطيب: يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن وذكره مسلم في الطبقة الأولى طويلاً، قال عبد الملك بن سلع: قلت لـ عبد خير: كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة -ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره)، ثم ساق الحديث نحوه].

وهذا كما سبق فيه: أنه تمضمض ثلاثاً، وغسل كفيه ثلاثاً، ومسح رأسه مقدمه ومؤخره، ويصح مسحه كيفما فعل، لكن الأفضل جاء في حديث حمران وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه).

فيأخذ كفاً للمضمضة والاستنشاق، ثم يأخذ ماءً ويغسل وجهه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة قال: سمعت عبد خير قال: (رأيت علياً رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يده ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد) وذكر الحديث].

وفيه: أنه لا بأس بالوضوء للتعليم، فيتوضأ للتعليم وينوي الوضوء ورفع الحدث.

فإذا توضأ للتعليم ونوى به الوضوء ورفع الحدث فإنه يكون وضوءاً، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض، ثم لما قام صعد على المنبر وركع، ولما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض وقال: (إنما فعلت هذا لتعلموا صلاتي) فالصلاة للتعليم أو الوضوء للتعليم ما عليه بأس، وهو عبادة.

وقول المؤلف: (مالك بن عرفطة)، بعضهم قال: إنه خالد بن علقمة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع علياً وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (ومسح رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسل)].

المنهال بن عمرو بعضهم تكلم فيه، فقد تكلم فيه ابن حزم رحمه الله، لكنه لا بأس به، وفيه زر بن حبيش وهو من أصحاب علي وابن مسعود.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حديث زر عن علي هذا: فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل، ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر، والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره، والذي غر ابن حزم شيئان: أحدهما: قول عبد الله بن أحمد عن أبيه، تركه شعبة على عمد.

والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور، وقد صرح شعبة بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب: قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟ والمنهال بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة، وتركه شعبة؛ لأنه سمع في منزله صوت طنبور.

وشذ شعبة رحمه الله في هذا.

تركه هذا يعني: طعن فيه، وهذا يحتاج إلى سؤال، فإن كان عالماً وأقره فهو طعن فيه، وإن كان لم يعلم، أو غلب على أمره فيكون معذوراً في هذا.

والمقصود: أن الجرح لا بد أن يكون مفسراً، وأن يكون عن علم بهذا، وإلا فالأصل أنه ثقة.

قوله: (حتى لما يقطر) هذه زيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة؛ لأنه لو كان ثلاثاً لقطر الماء عن رأسه بعد المسح.

قال صاحب عون المعبود: [لما: بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى: لم، وهي على ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضياً مثل لم، إلا أنها تفارقه في أمور.

وثانيها: أنها تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما.

وثالثها: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الإسمية، وهاهنا للوجه الأول].

والمراد الوجه الأول (حتى لم يقطر)، يعني: أنه مرة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>