للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر خروج الوقت على التيمم]

هل خروج الوقت يبطل به التيمم أو لا يبطل؟ الجمهور من الفقهاء على أنه يبطل، وأنه لا يصلي بالتيمم إلا فرضاً واحداً، فيصلي بالتيمم ما شاء من فروض ونوافل، فإذا خرج الوقت بطل التيمم.

وقال آخرون من أهل العلم: التيمم بالتراب قائم مقام الماء، واستدلوا بقوله في هذا الحديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم) فسماه وضوءاً.

وذهب المحققون من أهل العلم: إلى أن الإنسان له أن يصلي بالتيمم فرضين أو ثلاثة أو أربعة ما لم يحدث أو يجد الماء، فإذا وجد الماء بطل التيمم ولو في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وضوءاً، فقال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين)، فقالوا: لا يبطل التيمم إلا إذا أحدث أو وجد الماء.

والحائط إذا كان له غبار لا بأس بالتيمم به، وسبق أن الحائط إذا كان من الطين فله غبار.

وإذا وجد بعض الماء ولا يكفي يتيمم؛ فإذا كان الماء قليلاً لا يكفي فغسل وجهه وكفيه ويديه وانتهى الماء ولم يبق شيء لرجليه فإنه يتيمم، وكذلك إذا كان عليه جنابة ووجد ماءً قليلاً لا يكفي، فيستنجي ويتوضأ وضوءه للصلاة وإن بقي شيء غسل رأسه، وإن بقي شيء غسل شقه الأيمن، وإن لم يبق شيء تيمم للباقي.

[حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: (دخلت في الإسلام فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر رضي الله عنه، فقال أبو ذر: إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانها -قال: حماد: وأشك في (أبوالها) - فقال أبو ذر رضي الله عنه: فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: أبو ذر؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟ قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض؛ ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك).

قال أبو داود: رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها).

قال أبو داود: هذا ليس بصحيح، وليس في (أبوالها) إلا حديث أنس تفرد به أهل البصرة].

وهذا هو الصواب، بأن ذكر الأبوال لم يثبت، وإنما قال: (اشرب من ألبانها)؛ ولهذا قال: وأشك في (أبوالها)، قال أبو داود: رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر: (أبوالها)، أي: أنه ليس في الحديث ذكر (أبوالها) ولم تذكر إلا في حديث أنس، تفرد به أهل البصرة في قصة العرنيين، وفيه أنهم لما جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم اجتووا المدينة فأمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها.

أما حديث أبي ذر فلا يثبت فيه أنه أمره بالشرب من أبوالها، وإنما قال: (اشرب من ألبانها).

وفيه دليل على أن أبا ذر كان يصلي بغير طهور، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فدل على أن صلاته صحيحة وأنه معذور؛ لأنه لم يبلغه الحكم، فلما أبلغه الحكم وجب عليه أن يتيمم، فدل على أن الإنسان إذا لم يعلم وكان جاهلاً فهو معذور.

وفي ذلك قصة الأعرابي الذي جاء وصلى عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتم الركوع ولا السجود، وفيها أنه قال: (والذي بعثك بالحق! لا أحسن غير هذا فعلمني)، فعلمه وأمره أن يعيد الصلاة الحاضرة، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية؛ لجهله.

والحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتيمم، فقال له: (يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك)، وسماه طهوراً؛ فدل على أنه قائم مقام الماء، وقد احتج به المحققون على أنه لا يبطل التيمم بخروج الوقت؛ لأنه سماه طهوراً، وفي اللفظ الآخر سماه وضوءاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>