للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقوال أهل العلم فيما يجب على من جامع زوجته وهي حائض]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض: حدثنا مسدد قال: أخبرنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار).

قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال: دينار أو نصف دينار، وربما لم يرفع شعبة].

وهذا السند لا بأس به، وهو سند جيد، والحديث روي موصولاً وموقوفاً ورواه الحاكم وابن القطان موصولاً وهما ثقتان، ومن العلماء من قدم الموقوف وهم الجمهور وقد أعلوه بالاضطراب في سنده وفي متنه، وقالوا إن هذا الحديث لا يعمل به؛ لأنه مضطرب سنداً ومتناً، كما سيذكر المؤلف رحمه الله روايات في هذا الحديث بعده، وقالوا: ليس عليه شيء إذا جامع امرأته وإنما عليه أن يستغفر الله، وقالوا: إن الذمة بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها، وهذا الحديث فيه اضطراب في السند، واضطراب في المتن، أما في السند فقد روي موصولاً وموقوفاً، وأما في المتن فقد روي دينار وروي نصف دينار، كما روي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار، وروي التفرقة بين أن يجامع مع جري الدم أو بعد انقطاع الدم، وروي أيضاً يتصدق بخمسي دينار، وروي بنصف دينار، وروي إذا كان دماً أحمراً فدينار، وإن كان دماً أصفراً فنصف دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار، وإن كان كدرة فنصف دينار.

ولذلك قالوا: ليس عليه شيء إذا جامع زوجته وإنما يستغفر الله؛ لأن هذا الحديث لا يصح.

وقال آخرون: الصواب أن هذا الحديث ثابت فقد روي موصولاً وموقوفاً فـ الحاكم وابن القطان رووه موصولاً وهما ثقتان، ورواه بعضهم موقوفاً، فيقدم مرة وهو موصولاً على مرات موقوفاً، إذا كان الواصل ثقة؛ لأن الواصل معه زيادة علم، خفيت على من قطع، وكذلك من رفع معه زيادة علم خفيت على من وقف.

وعلى هذا فإنه يعمل بهذا الحديث فيكون على من جامع زوجته وهي حائض التوبة والاستغفار وعليه كفارة دينار أو نصف دينار، والدينار مثقال من الذهب، وهو يعادل أربعة أسباع الجنيه السعودي، فإذا كان الجنيه السعودي صرفه مثلاً سبع مائه، فعلى من جامع أربعمائة أو مائتين، وإذا كان صرف الجنيه سبعين ريالاً يكون عليه أربعين ريالاً، أو عشرين ريالاً يتصدق بها بالخيار، وأما كونه مخيراً فهذا لا بأس به، ففي كفارة اليمين تخيير، وفي كفارة الأذى في الحج تخيير: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦]، وأبو داود رحمه الله رجح تفسيرها، قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة، وصححه ابن القيم رحمه الله، وقال: إن عبد الحميد بن زيد الخطاب أخرج له صاحب الصحيح ووثقه النسائي، وهو حديث لا بأس بسنده.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: أخبرنا جعفر يعني ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.

قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار).

قال أبو داود: وكذا قال علي بن بديمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمره أن يتصدق بخمسي دينار)، وهذا معضل].

الشيخ: وإنما كان معضلاً لسقوط راويين في الإسناد فيكون ضعيفاً، وكذلك الأول حديث محمد بن الصباح عن شريك عن خصيف، وخصيف هذا ضعيف قيل عنه: صدوق في الحفظ، خلط بآخره.

وقال الحافظ في ترجمة خصيف: هو ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سيء الحفظ خلط بآخره.

وهو الراوي لأحاديث الحج أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى في مصلاه وهو ضعيف، والصواب أنه لبى بعدما ركب راحلته.

والرواية الثانية عن علي بن بديمة معضلة فكل هذه الروايات ضعيفة.

وكذلك ما قبله الذي رواه ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني قال عنه بعضهم: ثقة ضعفه الأزدي بلا حجة وقال آخرون: حديثه لين وهو راوي التفصيل في الفرق بين أول الدم وآخره فيكون الحديث ضعيفاً، كل هذه ضعيفة كونه يتصدق بنصف دينار أو بخمسي دينار لا تخلو من مصائب، والصواب ما دل عليه الحديث الأول وهو حديث ابن عباس في حديث عبد الحميد بن عبد الرحمن قال الحافظ عنه في التقريب: ثقة مقبول أنه تصدق بدينار أو بنصف دينار، أما هذه الروايات فهي لا تخلو من مقالة في سندها ومتنها وكل ذلك ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>