للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث المغيرة في ترك الوضوء مما مست النار]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ماله تربت يداه؟! وقام يصلي).

زاد الأنباري: (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك)].

هذا الحديث فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء من أكل لحم الغنم سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، وإنما يجب الوضوء في أكل لحوم الإبل خاصة.

وفيه: جواز القطع بالسكين خلافاً لمن كره ذلك.

وفيه: أن بلال آذنه بالصلاة فقام وترك الأكل، فاحتج به بعض العلماء على أن الإمام مستثنى من الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء)، قالوا: فالحديث هذا عام، وحديث الباب خاص، فيدل على أن الإمام مستثنى وعليه أن يقوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وترك الطعام، وكأنه كان محتاجاً إليه؛ ولهذا قال: (ماله تربت يداه؟!) أي: ما له استعجل؟ فهذا خاص بالإمام، وأما غير الإمام فإذا قدم العشاء فيبدأ بالعشاء كما في الحديث الآخر: (إذا حضرت الصلاة وقدم العشاء فابدءوا بالعشاء).

وجمع الخطابي رحمه الله بينهما فقال: إن هذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان إذا قدم له الطعام وكان متماسكاً ولا تزعجه الحاجة إلى الأكل، ولا يؤثر عليه في الإتيان بالصلاة بحقوقها ومكملاتها فإنه لا بأس، وأما إذا كان صائماً واشتد عليه الجوع فإنه يقدم العشاء.

وقول الخطابي له وجاهة، يعني: إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام وتتعلق به ويحصل له تشوش، فعليه أن يأخذ نهمته ثم يذهب إلى الصلاة، حتى ولو فاتته الجماعة، يقول: فهذا عذر من الأعذار في ترك الجماعة، فهذا إذا قدم له العشاء، لكن لا ينبغي له إذا سمع الأذان أن يطلب تقديم العشاء؛ لأن هذا تعمد لترك الصلاة، وذلك لا يجوز.

وفي الحديث أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قص شاربه على السواك، حيث طال شعر شاربه فوضع السواك ثم قصه عليه، ووضع السواك حتى لا يصيب المقص شيئاً من الجلد، فجعل السواك وقاية، ثم قص ما زاد فوق السواك من الشعر.

وفيه: مشروعية قص الشارب.

وفيه: المبادرة إلى ذلك.

وفيه: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن النبي قص شاربه ولم يوكل ذلك إلى أحد من أصحابه.

وجاء عند مسلم من حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبط ألا يترك ذلك فوق أربعين ليلة)، أما المغيرة فطال شاربه؛ لأنه انشغل عنه بالجهاد وأعماله الأخرى، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قصه ولم تلهه المبادرة في وضع السواك عليه؛ حتى يكون وقاية له، فاجتمع فيه الأمران: كونه يأمن أن يصيب القص شيئاً من الجلد، وأن يقص ما زاد وما طال فوق السواك.

وأما طريقة ذلك فهي أن يضع السواك على الشفه، والشعر فوق السواك، ثم يقص ما كان فوق السواك، وأبقى بقية وهو ما تحت السواك.

وينكر على الشخص إذا أطال شاربه فوق أربعين ليلة؛ للوعيد في ذلك، حيث جاء في الحديث قوله: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا)، وقوله: (احفوا الشوارب، وأرخوا اللحى؛ خالفوا المشركين).

قوله: (وكان شاربي) ظاهره يعود إلى المغيرة راوي الحديث، وأما بلال فمجيئه عارض.

لكن قد جاء الحديث من رواية الترمذي في الشمائل بلفظ: (وكان شاربه) أي: كان شارب بلال قد طال، وهذا هو ظاهر هذه الرواية، فينظر كيف يأتي الجمع بين الروايتين، وأيهما أصح: شاربه أو شاربي؟ وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بامتثال الأمر وقام إلى الصلاة.

والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والنسائي في الكبرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>