للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء في الجنب يصلي بالناس وهو ناس]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده: أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه، وقال في أوله: (فكبر)، وقال في آخره: (فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً).

قال أبو داود: رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرناه أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم).

ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد -يعني ابن سيرين - مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا، فذهب فاغتسل).

وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة).

قال أبو داود: وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر.

حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي؛ كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه قد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب.

وقال عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل)].

هذه الترجمة معقودة للجنب إذا صلى بالناس وهو ناس للجنابة، والحديث المسند الأخير أخرجه الشيخان والنسائي، وهو صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وإنما أراد أن يكبر ثم تذكر، فذهب واغتسل، ورجع وصلى بالناس.

أما الحديث الأول حديث أبي بكرة ففيه: (أنه صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة وكبر ثم تذكر ثم أومأ إليهم وقال: مكانكم)، ثم ذهب، واغتسل، وجاء، وأكمل بهم الصلاة، وهم قيام ينتظرونه، وذكر المؤلف رحمه الله رواية محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد وكلها مرسلة تؤيد حديث أبي بكرة في أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعدما دخل في الصلاة وكبر، واختلف العلماء هل هما قصتان أو قصة واحدة؟ فمن العلماء من ذهب إلى أنهما قصة واحدة، وتأول حديث أبي بكرة في قوله: كبر، يعني كاد أن يكبر، وكذلك الأحاديث المرسلة تأولها على أنه كاد أن يكبر لتوافق الأحاديث الصحيحة؛ لأنها لو لم تتأول لكانت معارضة للأحاديث الصحيحة، والأحاديث الصحيحة المسندة مقدمة عليها.

ومن العلماء من قال: إنهما قصتان، وذهب إلى هذا النووي وقال: إنه الأظهر، وجزم بذلك ابن حبان وقال: إنهما واقعتان، وإذا كانا كذلك فلا إشكال، وإن كانت قصة واحدة فالتأويل بأن كاد أن يكبر فيه نوع تعسف، والعمدة على الحديث الصحيح.

إن الإمام إذا تذكر أن عليه جنابة فإن كان قبل أن يصلي بالناس فإنه يذهب ويغتسل، وهم ينتظرونه إن لم يشق عليهم، وإن شق عليهم قدموا من يصلي بهم، أما إذا كان قد دخل في الصلاة ثم تذكر، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إن صلاة المأمومين صحيحة وهم معذورون، وعلى هذا يدل حديث أبي بكرة والروايات المرسلة التي فيها أنه كبر وقال: (كما أنتم وأشار إليهم)، ثم ذهب واغتسل وصلى بهم، وأكملوا الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة أول الصلاة، فدل على أن صلاة الجنب إذا صلى بالناس، أو صلى الإمام بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر؛ فإن صلاتهم صحيحة ولا يعيدون، وإنما الإمام يغتسل أو يتوضأ ويعيد الصلاة وحده، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).

ويؤيد هذا ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه في الجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً.

فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وأعاد صلاته، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة، وكذلك ثبت أيضاً عن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة؛ فدل هذا على أن الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة، ثم تذكر بعد ذلك فإنه يعيد الصلاة، ولا يعيدون.

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنهم يعيدون، قال أبو حنيفة وجماعة: يجب عليهم الإعادة، واستدلوا بحديث: (الإمام ضامن)، وقالوا: إن هذه الأحاديث مرسلة لا تقوم بها حجة.

وإذا تذكر في أثناء الصلاة فقد اختلف العلماء أيضاً في هذه المسألة، على قولين: القول الأول: ذهب الحنابلة وجماعة إلى أنه يفرق بين ما إذا سبقه الحدث، وما إذا لم يسبقه الحدث، فإن تذكر وهو في أثناء الصلاة أنه على غير طهارة أو أحدث فإنه في هذه الحالة يقطع الصلاة، ويستأنفون صلاتهم من جديد.

أما إذا حس بأنه لا يستطيع الاستمرار، وهو على طهارة، فإنه يتأخر، ويقدم من يتم بهم الصلاة.

والقول الثاني لأهل العلم: أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام إذا تذكر أنه على غير طهارة، ولو سبقه الحدث؛ فإنه يقدم من يتم بهم الصلاة، ويكون معذوراً في هذا، والدليل على هذا حديث الحسن عن أبي بكرة، والحديث الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله، والآثار التي وردت في هذا، ففيها دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر، ذهب واغتسل، ثم جاء وأتم بهم الصلاة، ولم يأمرهم بإعادة بقية الصلاة، ويؤيد هذا حديث البخاري: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم)، والأرجح أنه لا فرق بين الصورتين، وأن الإمام يستخلف من يتم بهم الصلاة سواء سبقه الحدث أو لم يسبقه.

والحديث الأول الذي ذكره المؤلف فيه رواية الحسن عن أبي بكرة، وهو قد سمع منه، فهو حجة، وهو دليل على أن الإمام إذا صلى وهو جنب أو عليه حدث ولم يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة، فإن صلاة المأمومين صحيحة، وإنما على الإمام أن يتوضأ أو يغتسل ويعيد الصلاة وحده.

<<  <  ج: ص:  >  >>