للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث علي في المذي]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل)].

هذا الباب فيه بيان حكم المذي، والمذي: هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة وعند اشتداد الشهوة وتذكر الجماع، وقد لا يحس الإنسان بخروجه، فلهذا جاء الشرع بتخفيف حكمه، فنجاسته نجاسة مخففة.

وحديث علي رضي الله عنه هذا أخرجه النسائي، وأخرجه الشيخان من حديث محمد بن علي وهو: ابن الحنفية عن أبيه بنحوه مختصراً، وفيه دليل على أن خروج المذي لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الوضوء، وهذا هو الصواب الذي عليه الجماهير خلافاً لمن قال: إنه يوجب الغسل، وهو قول شاذ.

وفي هذا الحديث: أن علياً رضي الله عنه قال: كنت رجلاً مذاء، ومذاء صيغة مبالغة، أي: أنه كان كثير المذي، قال: فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، أي: أصابه تشقق بسبب كثرة الاغتسال في الشتاء، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة)، فدل هذا على أن المذي إنما يوجب الوضوء لا الغسل، وهو يدل على وجوب غسل الذكر كله من المذي، فقد قال له: (فاغسل ذكرك) وتأوله بعضهم أن المراد غسل ما أصابه المذي، والصواب أن المراد غسل جميع الذكر، وهذا بخلاف البول فإنه يغسل رأس الذكر فقط، وأما المذي فإنه يغسل الذكر كله، وكذا يغسل أنثييه من المذي، فقد جاء في بعض الروايات: (اغسل ذكرك وأنثييك)، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم: أن غسل الذكر والأنثيين يتقلصان بسبب الماء.

قوله: (فإذا فضخت الماء فاغتسل) أي: إذا صببته بشدة فاغتسل، والمراد بالماء هنا المني، فهذا يدل على أن المني يوجب الغسل، وهو الذي يخرج بقوة وبلذة، وأما إذا خرج بغير شهوة كما يخرج من المريض فحكمه حكم البول، فقد يصاب الإنسان بمرض يسمى الإبردة، فإذا أصيب بهذا المرض خرج منه المني من غير شهوة، وهذا لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، فالذي يوجب الغسل هو الذي يخرج دفقاً بلذة وبقوة؛ بسبب الشهوة.

وكذلك إذا خرج منه المني في النوم ولو لم يذكر احتلاماً فإنه يجب عليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الماء من الماء)، وهذا الحديث حكمه باقٍ في خروج المني في النوم، فإذا رأى المني في ثوبه أو فخذيه فإن عليه أن يغتسل ولو لم يذكر احتلاماً.

وأما إذا احتلم في النوم ولم يجد بللاً في ثوبه فلا يجب الغسل؛ لأنه العبرة بخروج المني، وأما في اليقظة فإنه يجب عليه الغسل بخروج المني، وبالجماع ولو لم يخرج المني كما سيأتي في الأحاديث.

وإذا خرج منه المني بعد الغسل فبعض العلماء يقولون: إنه لا غسل عليه، لكن ينبغي للإنسان ألا يعجل وألا يبادر بالاغتسال حتى يتأكد من خروج المني، ولو اغتسل بعد أن يقضي حاجته من البول فهذا يكون أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>