للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت.

حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي أخبرنا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين).

قال أبو داود: وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو داود: ذكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ؛ هو مرسل].

يعني: أن الحديث مرسل عن عطاء بن يسار، وهذا الحديث أخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً عن عميرة.

والحديث فيه دليل على أنه من صلى في الوقت بعد أن بحث عن الماء ولم يجد الماء فإن صلاته صحيحة، فإذا بحث عن الماء ولم يجد الماء ثم تيمم ووجد الماء في الوقت والوقت باقٍ فصلاته صحيحة.

وفي هذا الحديث أن هذين الرجلين أحدهما لم يعد الصلاة لما وجد الماء، والآخر أعاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد: (أصبت السنة وأجزأتك صلاتك)، وقال للذي أعاد وتوضأ: (لك الأجر مرتين)؛ لأنه اجتهد فله الأجر مرتان باجتهاده، لكن الذي أصاب السنة أفضل.

ففيه دليل على أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت فلا يعيد، أما إذا وجد الماء وهو يصلي فإنه يعيد.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب بعض العلماء كـ أبي حنيفة وروي عن الإمام أحمد: أنه إن كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء في أول وقت الصلاة فإنه يتيمم ويصلي ولو في أول وقت الصلاة.

وقال آخرون: يتيمم ويصلي، وينبغي له أن يؤخر التيمم إلى آخر الوقت؛ ولهذا قال الحنابلة: والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى.

وبعض العلماء قال: يصلي في أول الوقت، وقال بعضهم: يصلي آخر الوقت، إذا كان يرجو الماء، فإذا كان يرجو الماء يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت، وإذا كان لا يرجو فإنه يصلي ولو في أول الوقت.

وهل يعيد إذا وجد الماء في الوقت؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه يعيد.

وقال آخرون: لا يعيد.

والصواب: أنه لا يعيد كما دل عليه الحديث.

والحديث روي مسنداً ومرسلاً، وقد يقال: إن المرسل لا يعارض المسند، لكن أبا داود رحمه الله قال: إن ذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ، وعلى هذا يكون الحديث مرسلاً، والمرسل ضعيف إلا إذا وجد له مرسل آخر يشده، ويحتاج إلى مراجعة كلام الحفاظ في هذا؛ فينظر هل الذين أرسلوه هم الحفاظ وهم الأكثر، أو على قاعدة المتأخرين كالحافظ ابن حجر والعراقي الخطيب البغدادي وغيرهم: أنه إذا كان الذي وصله ثقة فإنه يقبل قوله ويقدم؛ لأن معه زيادة علم، والنسائي وجماعة يقدمون قول الأحفظ أو الأكثر.

إذا كان الإنسان يرجو حصول الماء فإنه يتأخر إلى آخر الوقت، كما قال الحنابلة وغيرهم؛ قالوا: التيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى، أما إذا كان لا يرجو فله أن يصلي في أول الوقت.

وقوله: (حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار: (أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه)) هذا ضعيف من جهتين: من جهة: أنه مرسل.

ومن جهة: أن في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف.

والحديث مداره على عطاء بن يسار عن أبي سعيد.

وفي هذا أن بكر بن سوادة رواه عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار، وفي الأول عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار، من غير واسطة.

فيحتاج إلى تأمل ومراجعة؛ لأن الحديث الأول قال فيه أبو داود: المحفوظ أنه مرسل، وليس فيه ذكر أبي سعيد، يعني: ليس مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والسند الثاني مداره على بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار أيضاً.

فيحتاج إلى تأمل ومراجعة في سنده وكلام العلماء عليه؛ لأن الحكم هذا مهم، وهو وجود الماء بعدما يصلي في الوقت بالتيمم، وهذا ينبني على صحة الحديث، فإذا صح الحديث فإن المتيمم إذا وجد الماء في الوقت فلا يعيد.

والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: إذا تيمم ووجد الماء في الوقت يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد، وهذا مبني على صحة الحديث وعدم صحته، فلو صح الحديث فإنه لا يعيد، ويؤيد هذا أيضاً قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦]، ولأن هذا هو الواجب على الإنسان، لأن الله تعالى لم يوجب الصلاة مرتين، وهذا هو الذي يستطيعه، فإنه بحث عن الماء ولم يجده، فكيف يقال له: أعد الصلاة؟! أما إذا وجد الماء وهو في الصلاة فهذا تبطل صلاته على الصحيح، فإذا جاء الماء وهو في أثناء الصلاة فالصواب أنها تبطل الصلاة في هذه الحالة، فيقطع الصلاة ثم يتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد.

وهكذا إذا لم يجد إلا ثوباً نجساً وليس عنده ماء يغسله فإنه يصلي فيه، إلا إذا كان يرجو وجود ثوب آخر.

ولهذا يلغز بعض العلماء فيقولون: نهق حمار فبطل صلاة المصلي، كيف ذلك؟

الجواب

حمار ذهب للإتيان بالماء، فجاء الحمار وعلى ظهره قرب للماء، فنهق، فعلم المصلي أنه وجد الماء، فبطلت صلاته؛ لوجود الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>