للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث عقبة بن عامر في فضل الدعاء عقب الوضوء]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما يقول الرجل إذا توضأ.

حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب سمعت معاوية -يعني ابن صالح - يحدث عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خدام أنفسنا نتناوب الرعاية رعاية إبلنا، فكانت علي رعاية الإبل، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فسمعته يقول: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا قد أوجب.

فقلت: بخ بخ، ما أجود هذه! فقال رجل من بين يدي: التي قبلها -يا عقبة - أجود منها، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قلت: ما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).

قال معاوية: وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر].

وهذا الحديث صحيح، وهو في صحيح مسلم بزيادة: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، وفيه أن الصحابة كانوا يخدمون أنفسهم؛ لأنهم لم تفتح عليهم الدنيا.

وأما نحن فعندنا اليوم خدام، وقد وجدت الشرور مع الخدم والخادمات، ووجدت بلاءات ومصائب الآن، حتى سمعنا أن كثيراً من الناس يتذمرون، فهناك من يقول: إنه ولد له ولد يشبه الخادم أو يشبه قائد السيارة، وذلك بسبب الاختلاط بهؤلاء الخدم والخادمات، وهناك من يخلو بالخادمة، وقد اتصلت بي امرأة بالهاتف تقول: إنها تدرس في المساء وتترك الخادمة مع زوجها.

فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا خدام أنفسهم، كما قال عقبة رضي الله عنه، وكانوا يتناوبون رعاية الإبل، وكان عقبة في يوم هو صاحب النوبة، فجاء فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث: [(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه وجهه؛ إلا قد أوجب)] أي: أوجب الله له الجنة.

ففي الحديث أن من أسباب دخول الجنة أن يحسن المرء الوضوء، ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بوجهه وقلبه، بباطنه وظاهره، وفي اللفظ الآخر: (لا يحدث بهما نفسه بشيء) أي: أنه يتوضأ، ويصلي الركعتين من دون وساوس، مع كونه مقبل الوجه والقلب، فلا ترد الوساوس عليه، فهو خاشع في باطنه وظاهره.

فلما سمع ذلك عقبة رضي الله عنه قال: (بخ بخ) أي: هذا شيء عظيم.

وأعجبه أن هذا شيء عظيم في عمل يسير.

فقال: (يخ بخ؛ ما أجود هذه!) فقال له رجل: (التي قبلها أجود منها)، فالتفت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء -وفي لفظ: فيبلغ الوضوء- ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).

وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وفيه فضل هذا الذكر بعد الوضوء، وأنه يشرع للمسلم هذا الذكر، وأنه من أسباب دخول الجنة، وهو شهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وذلك بعد الوضوء.

وزاد الترمذي في سند لا بأس به: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وهذا ثابت، وزاد النسائي: (يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) لكن هذه الرواية ضعيفة في سندها مجهول، وهذا هو ذكر كفارة المجلس، وجاء -أيضاً- رفع البصر إلى السماء كما سيذكره المؤلف، وفي سنده مجهول ضعيف.

وعلى كل حال فإنه ليس هناك أذكار ثابتة عن رسول الله في الوضوء إلا التسمية عند البدء في الوضوء، والتشهد في آخره، وما يذكره بعضهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل وجهه قال: (اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه، وإذا غسل يده قال: اللهم أعطني كتابي بيميني) كل هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>