للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث: (الماء من الماء)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال.

حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو -يعني ابن الحارث - عن ابن شهاب حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك).

قال أبو داود: يعني الماء من الماء].

الإكسال معناه: الضعف والفتور، وهو: أن يجامع فلا ينزل فمن جامع وغيب الحشفة في الفرج وجب عليه الغسل ولو لم ينزل، وكان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل، غسل ذكره وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم نسخ ذلك، وأوجب الله سبحانه وتعالى الغسل بالجماع.

وهذا الحديث فيه مجهول، لأنه قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد، فهذا مبهم لا بد من تسميته؛ لأنه قد يرضاه هو ولا يرضاه غيره، لعلة قادحة فيه، ولكن له شواهد في الصحيحين وغيرهما في أن الإنسان إذا جامع ولم ينزل فإنه يجب عليه الغسل.

وأبي بن كعب أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل عدم الاغتسال من الجماع بغير إنزال رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك، هذا ثابت بالأحاديث الصحيحة، وإن كان هذا الحديث فيه انقطاع.

وقوله: (الماء من الماء) الماء الأول ماء الغسل، والماء الثاني ماء المني، أي: لا يجب الغسل إلا إذا خرج المني، وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ وبقي حكم ذلك في النائم فلا يجب عليه الغسل إلا إذا رأى المني.

قوله: (حدثني بعض من أرضى)، قال ابن حبان: تتبعت طرق هذا الخبر على أن أجد أحداً رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحداً إلا أبا حازم، فيشبه أن يكون الرجل الذي قال الزهري: حدثني بعض من أرضى عن سهل بن سعد هو أبو حازم.

وعلى هذا فيكون الحديث متصلاً، لكن هو بهذا السند منقطع.

وسيأتي في الحديث الذي بعده، أن قليلاً من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أنه لا غسل إلا من الإنزال.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن كعب: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد)].

هذا الحديث فيه ذكر أبو حازم الساقط في الحديث السابق، الذي يروي عن سهل بن سعد.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وسهل بن سعد يقول: حدثني أبي بن كعب: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد) والذين يفتون بذلك جماعة من الصحابة منهم: علي وعثمان والزبير وطلحة وأبو أيوب، كما أخرج الشيخان في صحيحيهما (أن هؤلاء الصحابة كانوا يفتون أن الماء من الماء) يعني: أنه لا يجب الغسل إلا من خروج المني، فإذا جامع ولم ينزل فلا يجب الغسل، وهذا كان رخصة في أول الإسلام رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالاغتسال بعد ذلك، وهذا صريح بأن هذا الحكم منسوخ، وهو ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>