قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب في طهور الأرض إذا يبست.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال ابن عمر رضي الله عنهما (كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت فتى شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك)].
وهذه الترجمة في حكم طهور الأرض إذا يبست، يعني: إذا أصاب الأرض بول مثلاً أو نجاسة ثم يبست بالشمس أو بالهواء، فهل تطهر أو لا تطهر؟ نقول: إذا كانت النجاسة لها جرم فلا بد أن ينقل الجرم، فإذا كانت عذرة أو قطع فنقله لا بد منه، لكن إذا كان بولاً ثم يبست الأرض بالشمس أو بالريح، فظاهر ترجمة المؤلف رحمه الله واختياره أنها إن جفت بالشمس أو بالريح فإنها تطهر، وهذا هو اختيار الأحناف، وما وروي عن أبي قلابة، واختيار شارح عون المعبود: أبي الطيب محمد شمس الدين، يقول: إذا أصابت الأرض نجاسة فلها وجهان في التطهير: الوجه الأول: صب الماء عليها، والثاني: جفافها ويبسها بالشمس أو بالهواء، وكأن ظاهر اختيار أبي داود في الترجمة هو هذا، وذهب جمهور العلماء إلى أنه لا بد من الماء وأنها لا تطهر، وأجابوا عن هذا الحديث أولاً: بأن النجاسة محتملة وليست ظاهرة، والأصل الطهارة، وكون الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فهذا محتمل أن يكون فيه نجاسة وليست ظاهرة، ولو رأوها لما تركوها هذا محتمل، وفي رواية أبي داود هنا: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد؛ لأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أبواب، لكن حديثاً رواه البخاري لفظة: كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في رواية البخاري: لفطة: تبول، فلم يكونوا يرشون شيئاً، إذ أن الأصل الطهارة، وهم لم يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، وكونها تمر لا يدل على أنها تنجس المسجد ولا سيما إذا كانت يابسة، وهذا لا يوجب غسله والأصل الطهارة، ولم يكونوا يروا شيئاً، ولو رأوا شيئاً لغسلوه، فليس فيه حجة في أن النجاسة إذا يبست بالشمس أو بالهواء يكفي بدون الماء، وليس في رواية البخاري: تبول، إنما في روايته تقبل وتدبر؛ لأن المساجد ليس فيها أبواب، والصواب: ما علمته من العلماء أن النجاسة لا يكفي في تطهيرها الجفاف بالشمس أو بالهواء، بل لا بد من غسلها بالماء، والغسل لا يحتاج إلى نية، فلو جاء المطر وصب عليها لكفى وطهرت؛ لأنها ليست كالعبادة التي تحتاج إلى نية.
إذا اندثر على النجاسة التي في الأرض من الثرى طبقة كبيرة فهي طاهرة، لكن إذا علم النجاسة فلا بد من صب الماء علهيا كما في حديث الأعرابي، وهذا هو الأصل، فلو كانت الشمس والريح تكفي لقالوا: اتركوه حتى تيبس الأرض وتجف، فلما لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم للجفاف، وأمر بأن يصب سجل من ماء على بول الأعرابي، فدل على أنه لا بد من الماء، ولو كان يكفي لقال: اتركوه يجف وييبس ويطهر.
والنجاسة إذا مسستها بيدك وهي يابسة لا يضر، لكن إذا كانت يدك رطبة أو النجاسة رطبة فلا بد حينئذ من الغسل.
وما ورد في رواية أبي داود لم يرد في لفظ البخاري يعني قوله تبول، وقوله:(تقبل وتدبر): هذا يحتمل أنها قد تبول، لكن هذا شيء غير محقق، والصحابة لم يروا شيئاً، ولو رأوا النجاسة لغسلوها كما في حديث الأعرابي.