للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما جاء فيمن قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر]

قال المؤلف رحمه الله: [باب: من قال: تغتسل من طهر إلى طهر.

حدثنا محمد بن جعفر بن زياد وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة)].

والاغتسال من طهر إلى طهر هو الواجب، وهو الذي عليه الجمهور، وهو الصواب: أنها لا يجب عليها أن تغتسل إلا من طهر إلى طهر، والغسل عند كل صلاة محمول على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة، وهو ضعيف؛ لأن في سنده شريك القاضي، وهو سيئ الحفظ، وفي سنده أيضاً أبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول، ففيه ثلاث علل: شريك القاضي فإنه لما تولى القضاء ساء حفظه، وأبو اليقظان لا يحتج بحديثه، وجد عدي بن ثابت مجهول عن أبيه عن جده، ولكن الحديث له شواهد كثيرة، تدل على أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة، وما دل عليه الحديث ثابت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، يعني: الحيض، ثم تغتسل، يعني: بعد الطهر وتصلي.

قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: زاد عثمان: (وتصوم وتصلي)].

الشيخ: يعني: الرواية الأولى: (تغتسل وتصلي)، وهنا زاد عثمان: (وتصوم وتصلي) وعثمان هو ابن أبي شيبة.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي)].

وهذا الحديث فيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت وعنعنة الأعمش أيضاً، والأعمش وحبيب بن ثابت كلاهما مدلسان -كما سيبين المؤلف رحمه الله- وفي هذا قال: (ثم اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة)، فالوضوء لكل صلاة هو الذي ذهب إليه كثير من العلماء، وبعض العلماء يرى: أنها لا تتوضأ؛ لأن هذا دم مستمر.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة في المستحاضة: تغتسل -تعني: مرة واحدة- ثم توضأ إلى أيام أقرائها].

وهذا هو الواجب عليها، أنها تغتسل مرة واحدة عند انتهاء مدة الحيض، ثم تتوضأ حتى يأتيها الحيض مرة أخرى.

قال المؤلف رحمه الله: [حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله].

يعني: أنها تغتسل مرة واحدة، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائها.

قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: وحديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح].

يعني: الأحاديث التي سبقت، فالحديث الأول: حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، والثاني: حديث الأعمش، وهو حديث عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت كذلك، والثالث: حديث أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج وهذه الأحاديث الثلاثة التي سبقت كلها ضعيفة، فأما الأول: فكما سبق أن فيه ثلاث علل، وأما الثاني: ففيه عنعنة الأعمش وعنعنة حبيب، وأما الثالث: ففيه الحجاج، وكأنه الحجاج بن أرطأة.

فأما الحديث الأول فقد قصد المؤلف رحمه الله أن يضعف القول بالوضوء لكل صلاة، وأنها لا يجب عليها الوضوء لكل صلاة وحديث عدي له شواهد.

وأيوب بن أبي مسكين صدوق له أوهام.

قال المؤلف رحمه الله: [ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديث].

وحديث الأعمش هو الثاني من أحاديث الباب، وهو عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت.

قال: [أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش].

يعني: أن حفص بن غياث رواه عن الأعمش وأوقفه على عائشة، وأنكر أن يكون مرفوعاً.

قال: [وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً].

بل جعله موقوفاً على عائشة.

قال: [وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوفاً عن عائشة].

وأيوب بن أبي المسكين هو التميمي أبو العلاء الواسطي، روى عن: قتادة وسعيد المقبري، وروى عنه: هشيم وإسحاق بن يوسف الأزرق ويزيد بن حرام، ووثقه أحمد والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، ولا يحتج به، وقد ضعفه المؤلف.

قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود: ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة].

أي: رواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله وآخره ليس بمرفوع، وهو قوله: (والوضوء لكل صلاة).

قال: [ودل على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة، في حديث المستحاضة].

وهذا هو الحديث الثاني، حديث الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وقد خالفته رواية الزهري، ففي رواية حبيب بن أبي ثابت أمرها النبي أن تغتسل، فقال: (ثم اغتسلي لكل صلاة)، وفي رواية الزهري: أن الغسل من فعلها هي، وأنها هي التي كانت تغتسل لكل صلاة، وهذا يدل على ضعفه، والمؤلف قصده من هذا أن يضعف رواية: (والوضوء لكل صلاة) وجعلها شاذة وغير ثابتة.

قال المؤلف رحمه الله: [وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس].

وفي الأول أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: [وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير عن عائشة: (توضئي لكل صلاة)].

ومجالد هذا ضعيف وقمير هي امرأة مسروق، وهي مقبولة عن عائشة، وهذا موقوف على عائشة، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة: (تغتسل كل يوم مرة).

وروى هشام بن عروة عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة)، وهذه الأحاديث كلها ضعيفة].

وقد قصد المؤلف رحمه الله: أن يضعف الوضوء لكل صلاة.

قال المؤلف رحمه الله: [وهذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث قمير، وحديث عمار مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل].

وهكذا المؤلف رحمه الله ضعف هذه الآثار، وقال: كلها ضعيفة، إلا حديث قمير فمقبول، وحديث عمار مولى بني هاشم، الذي قال فيه: وروى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي وعمار مولى بني هاشم عن ابن عباس، وكذلك حديث هشام بن عروة، قال: والمعروف عن ابن عباس الغسل.

والمؤلف رحمه الله يريد بهذا أن يضعف رواية الوضوء، وأن كل ما في الباب من الروايات ضعيفة إلا ثلاثة آثار، أثر قمير وأثر عمار وأثر هشام بن عروة، وقمير امرأة مسروق مقبولة.

فالمؤلف رحمه الله يرى أن رواية الوضوء لكل صلاة غير ثابتة، وعلى هذا يجوز للمرأة المستحاضة أن تصلي الصلاتين بوضوء واحد، ولو كان الدم ينزل عليها، إلا إذا أحدثت بغير الدم، مثل الريح أو بشيء آخر؛ لأن هذا حدث مستقل، ومثلها أيضاً من به سلس البول، أو حدث دائم، فهذا لا يوجب الوضوء، وإنما يوجب الوضوء حدث آخر، وأما هذا فلا لأنه مستديم ولا حيلة فيه، وفيه مشقة، والوضوء لكل صلاة ليس ثابتاً.

والقول المشهور عن جمهور العلماء: أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، عملاً بهذا الحديث، وقد قال النسائي في حديث: (تتوضأ لكل صلاة)، أن هذا انفرد به حماد بن زيد، وهو ثقة، والذي عليه الفتوى الآن وعليه الجماهير: أنها تت

<<  <  ج: ص:  >  >>