للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث قصة صاحب الشجة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: المجروح يتيمم.

حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه! قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال؟ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب -شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده)].

وهذا الحديث ضعيف في سنده الزبير بن خريق ضعيف، قال في التقريب: لين الحديث.

وهذا الحديث مشهور عند الفقهاء ولكنه ضعيف.

وفيه: (أن هذا الرجل أصابته شجة ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة؟ فقالوا: لا نجد لك رخصة، فاغتسل فمات، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتلوه! قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال؟ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب -شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده).

وهذه اللفظة: (إنما كان يكفيه أن يتيمم) لم يثبتها الحفاظ؛ لأن هذا الحديث فيه: أنه يجمع بين التيمم وبين المسح، فلم يثبتها الحفاظ، فعلى هذا لا يجمع بين التيمم والمسح، بل يمسح على العصابة إن كانت بقدر الجرح وما يحتاج إليها في الشد، ولا يتيمم، فإن لم يقدر على وضع عصابة أو جبيرة فإنه يتيمم.

أما هذا الحديث لأنه يجمع بين التيمم وبين المسح فهو ضعيف؛ ولهذا كلمة: (إنما يكفيه أن يتيمم) لم يثبتها الحفاظ، بل إذا كان يستطيع المسح فيكفي، لكن تكون العصابة بقدر الجرح وما يحتاج إليه، أما ما زاد فيزيله، والمسح على الجبيرة سيأتي، والجبيرة يمسح عليها للضرورة، وهي أولى من الخف، فإذا كان الخف يمسح عليه للترفه فالجبيرة أولى بالمسح؛ لأنها ضرورة.

ففي هذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- المسح على الجبيرة، لكن الجبيرة يمسح عليها للضرورة؛ لأنها أولى من الخف، والمسح على الخفين ثابت متواتر، فإذا كان الخف يمسح عليه للترفه فالجبيرة أولى؛ لأنها ضرورة.

والجبيرة تخالف الخف: فالخف: وقت له للمقيم يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها، والجبيرة: غير مؤقتة، فيمسح عليها حتى يبرأ الجرح.

والخف: يشترط أن يمسح على طهارة، والجبيرة: لا يشترط؛ لأن الإنسان قد يصيبه جرح أو كسر وهو على غير طهارة، فالإنسان جرحه ليس باختياره، فلا تشترط لها الطهارة.

وقوله: (إنما شفاء العي السؤال) المعنى: أن الجهل داء، والسؤال هو العلم.

واستنبط الخطابي من هذا الحديث: أن الذي أعابهم، الفتوى بغير علم، وألحق بهم الوعيد، لكن إنما هذا على فرض صحته، ولكن المعنى صحيح، فالفتوى بغير علم منهي عنها.

أما الأمر بالجمع بين التيمم والمسح فكما سبق لا يثبت، لكن فيه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر جسده بالماء، فيغسل سائر جسده ويتيمم ويمسح على الجرح، فإن لم يستطع تيمم.

وأحاديث المسح على الجبائر كلها أحاديث ضعيفة، كما قال ابن القيم رحمه الله، وفيه حديث علي أنه: (انكسرت إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبائر) لكن الحديث في سنده عمرو بن خالد وهو متروك، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين رمياه بالكذب.

وذكر ابن عدي عن وكيع قال: كان عمرو بن خالد في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن له تحول إلى واسط، وقد سرقه عمر بن موسى، فرواه عن زينب بنت علي مثله.

وعمرو هذا متروك منسوب إلى الوضع.

والمقصود: أن أحاديث الجبائر كلها ضعيفة، وهذا الحديث وحديث علي كلها ضعيفة، لكن يجوز المسح على الجبيرة للضرورة، وهو أولى من المسح على الخف، فإذا جاز المسح على الخف وهو للترفه فالمسح على الجبيرة من باب أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>