للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح حديث ابن عباس في الوضوء من النوم حال الاضطجاع]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب، وهذا لفظ حديث يحيى: عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت، فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)].

هذا الحديث أوله ثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وينفخ ويصلي ولا يتوضأ؛ لأن نومه صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوءه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنما تنام عيناي ولا ينام قلبي).

وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام.

أما قوله: (إنما الوضوء على من كان مضطجعاً) هذه لفظة منكرة؛ لأنها من طريق أبي خالد الدالاني، وأبو خالد الدالاني هذا ضعيف يروي المناكير، وهذه اللفظة منكرة، والمنكر: هو مخالفة الضعيف للثقات.

والبخاري لما روى هذا الحديث عن ابن عباس لم يذكر هذه اللفظة؛ لأنها منكرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [زاد عثمان وهناد: فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله.

قال أبو داود: قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا].

وهذا الحديث فيه تدليس قتادة، وفيه ضعف أبي خالد الدالاني ومخالفة الثقات.

أما عبد السلام بن حرب فهو ثقة حافظ له مناكير، وهذا من مناكيره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً.

وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصلاة، وحديث: القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: حدثني رجال مرضيون منهم عمر، وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنهم].

يعني: أن شعبة إنما روى عنه قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث وهذا الحديث ليس منها: (إنما الوضوء على من كان مضطجعاً)، فيكون منقطعاً غير ثابت.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذكرت حديث يزيد الدالاني لـ أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له].

أي: لأنه منكر، وكأنه يقول له: لا تذكر هذا الحديث على أنه صحيح، إنما هو ضعيف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقال: ما لـ يزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث].

قوله: (ولم يعبأ بالحديث) يعني: بزيادة (الوضوء على من كان مضطجعاً).

وقوله: (يدخل على أصحاب قتادة) يعني: على شيوخه، فدل على أن هذه اللفظة منكرة لا يعول عليها.

وأخذ بعضهم بهذا وقال: إن الوضوء لا يجب إلا على من كان مضطجعاً، والنوم فيه خلاف طويل، فقال بعضهم: الوضوء مطلقاً لا ينقض، وبعضهم قال: ينقض مطلقاً حتى النعاس، وبعضهم قال: لا ينقض الوضوء إلا إذا كان راكعاً أو ساجداً، وبعضهم يقول: إذا كان مضطجعاً.

والصواب: أن النوم المستغرق الذي يزول معه الإحساس هو الذي ينقض الوضوء، وأما النعاس وخفقان الرأس فهذا لا يؤثر، وبهذا تجتمع الأدلة كما في حديث صفوان بن عسال: (ولكن من غائط وبول ونوم) قال: فالنوم ينقض الوضوء، والأحاديث الصحيحة تذكر أن الصحابة كانوا يجلسون وتخفق رءوسهم وهم ينتظرون الصلاة، ثم يقومون للصلاة ولا يتوضئون، فدل على أنه يجمع بين الحديثين بهذا.

وإذا كانت في النوم رؤيا فهو مستغرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>