ويبدو أن حالة السيوطي النفسية وما عاناه من آلام تسبب في إذكاء نيرانها خصومة، وما آل إليه أمره بعد ترك وظائفه السابقة التي كانت تأتيه بنصيب لا بأس به من أوقافها، هذه الحالة قد دفعته لأن ينفث في رسالته تعبيرا عما يحس به داخل نفسه، وتخفيفا لآلامه. فهي تصور حالة نفسية في وقت من أوقات الشدة التي مر بها ولجأ إلى قلمه عساه يجد فيه صديقا يشكو إليه ألمه بعد أن اعتزل جميع الأصدقاء.
ولا تخلو هذه الرسالة من مبالغات في وصف الفساد واتهام الخصوم، ويبدو أن الخليفة عبد العزيز المتوكل على الله الذي كان صديقا للسيوطي ومخالطا له في أكثر الأحيان قد آلمه ما آل إليه أمر صديقه، وكان يعرف عنه اعتداده بنفسه، فسعى له في تولي مشيخة البيبرسية.
والواقع أن مشيخة البيبرسية- في ذلك الحين- كانت أكبر الوظائف التي يتولاها القائمون بالتدريس لأنها كانت أعظم الخوانق المصرية وأوسعها أوقافا، وأكثرها صوفية، ولا نستطيع أن ننكر أن السيوطي قد قرت عينه بهذا المنصب الجديد، وربما يكون قد سعى في سبيل الوصول إليه، ولعله كان يرى نفسه أكفأ وأصلح من غيره لأن يوضع في هذا المكان، وأيا ما كان الأمر فإن ذلك لا ينفي عنه نزعة التصوف الحقيقي التي كانت تخالط وجدانه والتي تمثلت في ميله إلى العزلة.