للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالرغم من الوظائف الجليلة التي تولاها السيوطي فإنه- على ما يبدو- لم يقنع بها بل كان يرى نفسه أهلا لأن يلي من الأعمال ما هو أجل مما وصل إليه لا سيما بعد أن بلغ من العلم مبلغا، وكانت وظائف القضاء- كما أشرنا من قبل- لها شأنها في المجتمع، وكانت وظيفة قاضي قضاة الشافعية التي يمكن للسيوطي باعتباره فقيها شافعيا أن يطمح إليها في يد الشيخ زكريا الأنصاري (٨٢٤ هـ- ٩٢٦ هـ) وكان أسنّ من السيوطي وقد تولى هذا المنصب منذ وقت مبكر (٨٨٦ هـ)، وكان معروفا بالنزاهة والعدالة والميل إلى الزهد والتمسك بالحق «١»، وقد قبل منصب القضاء بعد تمنع وإباء وقد مكث به نحو عشرين عاما حتى ضعف واعتزل بنفسه عام ٩٠٦ هـ «٢»، ثم أعيد إليه مرة ثانية، لذلك لم يشأ السيوطي أن ينافسه لزهده وعفته وصافته الحميدة التي جعلت منه صديقا له ومؤيدا في بعض المواقف «٣» وكان سلوك الشيخ زكريا لا يدفع أحدا إلى منافسته لا سيما أنه كان عزوفا عن الدنيا غير راغب فيها، مألفا يحبه الناس ويجتمعون إليه.

لم يحاول السيوطي أن ينافسه في الوصول إلى منصب القضاء برغم صلاته القوية بالخلفاء وبعض رجال الدولة لما قدمنا من أسباب، ولأن هذه المحاولة من شأنها أن تسيء إلى السيوطي وتبغضه إلى الناس وإلى أولي الأمر إذا أقدم عليها.

ولكن طموح السيوطي وتطلعه إلى منصب القضاء جعله يتخذ وسيلة أخرى لذلك إذ اتصل بصديقه المتوكل على الله الخليفة العباسي في ذلك الوقت (صفر ٩٠٢ هـ)، واقترح عليه أن يجعله رئيسا لجميع القضاة بمذاهبهم الأربعة، ولم تكن هذه الوظيفة معروفة بمصر آنذاك إذ إن قضاة كل مذهب كانوا يتبعون قاضي قضاة المذهب، وبذلك فإن أعلى مراتب القضاء كانت وظائف قضاة القضاة الأربعة، ولكن السيوطي أفهم الخليفة بأن وظيفته التي يقترحها كانت بمصر زمن الأيوبيين، وقد تولاها القاضي ابن بنت الأعز، وأن من حق الخليفة


(١) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى: ترجمة الشيخ زكريا الأنصاري ورقة ٢٣.
(٢) بدائع الزهور ج ٤ ص ١٢.
(٣) ذيل الطبقات ورقة ٢٤.

<<  <   >  >>