للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يكلها إلى من يراه أهلا لذلك، ومن ثم فإن صاحب هذه الوظيفة تكون له السلطة على قضاة القضاة الأربعة فمن دونهم.

وقد مال الخليفة إلى اقتراح السيوطي، وكان السيوطي في ذلك الحين قد بلغ مكانة علمية ممتازة فضلا عن مكانته الاجتماعية ونشاطه السابق ومشاركته في الحياة العامة بمصر، وأعلن الخليفة أنه عهد للسيوطي بهذه الوظيفة في صفر عام ٩٠٢ هـ «١».

ولم يكن هذا التصرف- بطبيعة الحال- مرضيا للقضاة بل كان سببا لثورتهم ومعارضتهم وهاجموا الخليفة وقالوا: ليس للخليفة مع وجود السلطان حلّ ولا عقد ولا ولاية ولا عزل ولكن الخليفة استخف بالسلطان لكونه صغيرا. وكان السلطان آنذاك الناصر محمد بن قايتباي، ولم يكن يبلغ أن العشرين من عمره، وكان على ما وصفه المؤرخون به طيش وظلم، ويبدو أن الخليفة تخوف من مساعي القضاة لدى السلطان وتأليبهم السلطان عليه بحجة أنه فعل أمرا ليس من حقه، وإنما هو من حق السلطان، وقد شرحنا من قبل ما كان عليه أمر الخلافة العباسية في مصر طيلة ذلك العهد، لذلك لم يستطع الخليفة الصمود في وجه تيار الثائرين عليه من القضاة فرجع عن ذلك وتعلل بأن الشيخ جلال الدين السيوطي هو الذي حسن له ما فعل، وأشهد على الخليفة بالرجوع عن العهد الذي عهد به إلى السيوطي ويبدو من سياق ما أورده ابن إياس عن هذه القصة أن السيوطي بعلمه وعقليته الكبيرة ولما بينه وبين الخليفة من صلات طيبة قد استطاع التأثير على الخليفة وإقناعه بأن يقدم على عمل لم يكن معهودا في عصره، ولم يقدر عاقبته، ولم يحتط لما سيترتب عليه من ثورة القضاة.

ولنترك جانبا هذه القصة التي تدل على طموح السيوطي إلى تولي القضاء، ولعله كان يبغي شيئا من الاصلاح، ولنتجه مرة أخرى إلى السيوطي حيث لا يزال يشغل مشيخة البيبرسية كبرى الخوانق وأوسعها أوقافا في عهده، وكانت البيبرسية تضم أكبر عدد من المتصوفة الذين تجري عليهم الأرزاق من جنى


(١) بدائع الزهور ج ٢ ص ٣٠٧.

<<  <   >  >>