للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوقافها، وقد رأى السيوطي ما آل إليه أمر التصوف في عهده من كثرة الأدعياء الذين استمرءوا العيش داخل الخوانق دون عمل، ولم يقوموا بواجباتهم في العبادة والتخلق بأخلاق التصوف الحقيقة، لذلك فقد وجه إليهم السيوطي نصحه بأن «الصوفي من تخلق بأخلاق الأولياء ... ومن يأكل المعلوم بغير تخلق بأخلاقهم حرام» «١».

وقد عمد السيوطي إلى قطع جعلية هؤلاء الصوفية، ولكنهم ثاروا عليه، وكادوا يقتلونه ثم حملوه بأثوابه ورموه في الفسقية «٢»، وكانت هذه الحادثة في جمادى الآخرة عام ٩٠٣ هـ، ولم يكتف الصوفية بإهانتهم للشيخ بل إنهم شكوه إلى السلطان وسعوا لديه في سبيل قتله، وقد شجعهم وأعانهم على ذلك الأمير طومان باي الذي كان يلي «الدوادارية الكبرى» ويعد صاحب المنصب الثاني في الدولة بعد السلطان، وكان بين السيوطي وبين طومان باي عداوة، وقد مر السيوطي ببعض المحن خلال هذه الأزمة، وقد سعى طومان باي جاهدا في سبيل قتله كما لم يكف أعداؤه عن تأليب ذوي الشأن من العلماء والأمراء عليه، ويبدو أن السيوطي أبدى من الشجاعة ورباطة الجأش خلال أزمته ما جعل تلميذه الشعراني يذكر أنه «لم يتغير منه شعرة واحدة» «٣»، ويدافع الشعراني عن السيوطي ويهاجم الذين ثاروا عليه كثيرا حتى يقول: «إن جميع من قام على الشيخ حصل له مقت بين العباد ومات على أسوأ حال» «٤».

ويستدل بعض الباحثين بهذه الحادثة على فساد التصوف، وانتشار الجهل بين الصوفية الذين ارتفع قدرهم بين العامة على قدر العلماء، كما يرى أن السيوطي كان على حق في سلوكه مع هؤلاء الصوفية «٥».

ولم ينل أعداء السيوطي الذين انتهزوا هذه الأزمة للايقاع به ما يبتغون،


(١) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١.
(٢) ابن إياس: ج ٢ ص ٣٣٩.
(٣) ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١ ص ٤٢.
(٤) الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة ٢١ ص ٤٢.
(٥) عبد المتعال الصعيدي: المجددون في الاسلام ص ٣٤٢ - ٣٢٦.

<<  <   >  >>