للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى الثالث للاشتقاق هو «أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب وحذر» بكسر الذال «من حذر» «١».

وقد نقل السيوطي ما حاوله صاحب شرح التسهيل من الوصول إلى بعض القوانين التي تحكم الاشتقاق بمعناه الأخير، فالتغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر، وهناك وجوه يرجح بها رد الكلمة إلى أصل دون أصل إذا ترددت بينهما، ثم هناك ملاحظات أخرى تتصل باشتقاق الأعلام والأصل في الاشتقاق وغير ذلك فضلا عن الخلاف حول تقسيم الكلام إلى مشتق وغير مشتق وذهاب الجمهور إلى صحة هذا التقسيم.

والواقع أن البحث في الاشتقاق بأنواعه المختلفة إنما هو بحث في الدلالة اللغوية المعبر عنها بالأصوات، وتقدير لمناسبة الأصوات للمعاني، فالزيادة في الصوت أي اللفظ يقابلها زيادة في المعنى، وقد فهم اللغويون القدماء ذلك وقدروه وراعوه في مباحثهم.

ويتصل بالتطور الدلالي الذي يلحق معنى الكلم ما بحثه السيوطي في ثلاثة أنواع هي الحقيقة والمجاز، والخاص والعام، والمطلق والمقيد.

وبحث الحقيقة والمجاز من الموضوعات التي عني بها الأصوليون واللغويون والبلاغيون بيد أن السيوطي قد اعتمد فيه على أقوال اللغويين والأصوليين فحسب، وكان اعتماده أكثر على الأصوليين.

والواقع أن النظر في أقوالهم عن الحقيقة والمجاز يمكن أن يوضح لنا تقديرهم للتغير الدلالي وعوامله ومظاهره، وتقديرهم كذلك لحياة اللغة ونموها واتساعها حتى يمكن التعبير بألفاظها عن دلالات لم تكن معروفة من قبل فالرازي يذكر فيما ينقله عنه السيوطي أن سبب العدول عن الحقيقة إلى المجاز يكون لأجل اللفظ أو المعنى أو لأجلها «فالذي لأجل اللفظ أما لأجل جوهره بأن تكون الحقيقة ثقيلة على اللسان إما بثقل الوزن، أو تنافر التركيب، أو ثقل الحروف،


(١) المزهر ج ١ ص ٣٤٦.

<<  <   >  >>