للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى مذهب البصريين، وجانب ثالث استدركوه على المذهبين «١».

ومن الملاحظ أن مذهب البغداديين في أول أمره كان ينزع منزع الكوفة لغلبة الكوفيين على بغداد وارتفاع شأنهم فيها، نظرا لصلاتهم القوية بالدولة في حين أن

المتأخرين من البغداديين قد فضلوا المذهب البصري، ويتضح ذلك عند أبي علي الفارسي وابن جنى اللذين قد ينسبان نفسيهما في بعض الأحيان إلى البصريين كما يظل ذلك شأن من خلفهم كابن الشجري (٥٤٢ هـ)، وتلميذه ابن الأنباري (٥٧٧ هـ)، الذي يتضح في إنصافه تفضيله للمذهب البصري.

فإذا ما يممنا وجوهنا ناحية المغرب وجدنا بيئة الأندلس التي بدأ النشاط النحوي فيها خافتا، وكان في أول أمره تابعا لما يحدث بالمشرق، ومعتمدا عليه، ولم تلبث دراسة النحو بالأندلس أن أخذت تستقل بطابع يميزها عن تبعيتها للمشرق فمنذ أواخر القرن الخامس ازدهرت هذه الدراسة، وعكف النحاة على ما لديهم من مادة لغوية يستقرءونها، وينظرون فيما أنتجته المدارس الثلاث السابقة فيرجحون بينها، ويختارون ما يتجه عندهم، ويزيدون ما تؤديه لهم استقراءاتهم الجديدة لا سيما أن المادة اللغوية قد أصبحت في ذلك الحين بالمشرق والمغرب مقصورة على ما روي وحفظ في بطون الكتب حيث نضب معين البادية منذ تنادي العلماء في منتصف القرن الرابع الهجري بوجوب ترك الأخذ عن أهل الوبر كما ترك الأخذ عن أهل المدر «٢».

وقد عرفت الأندلس كثيرا من الأعلام الذين حملوا لواء النحو بها كالأعلم الشنتمري (٤٧٦ هـ)، وابن السيد البطليوس (٥٢١ هـ)، والسهيلي (٥٨١ هـ)، وغيرهم، وأهمهم على الاطلاق ابن مالك (٦٧٢ هـ) وأبو حيان (٧٤٥ هـ)، والشاطبي (٧٩٠ هـ)، وقد رحل بعضهم إلى المشرق وأثر في نحاة البيئة المصرية إلى حد كبير.

وقد توسع ابن مالك في الاستشهاد بالحديث وأباح ذلك مطلقا، وقد أنكر


(١) محمد الطنطاوي: نشأة النحو ص ١٤٦، ١٤٨.
(٢) ابن جني: الخصائص ج ٢ ص ٥.

<<  <   >  >>