للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه هذا الاتجاه، في حين أنكر أبو حيان الاستشهاد بالحديث مطلقا، وتوسط الشاطبي فأباح الاستشهاد في الأحاديث التي يعلم أن العناية فيها متجهة إلى نقلها بألفاظها.

وقد أحدث ابن مالك لفتة نحوية شغلت القوم بمنظومته التي وضعها وتوفر على شرحها معظم النحاة من بعده، وكان له اختيارات من مذاهب البصريين والكوفيين والبغداديين وسابقيه من الأندلسيين، بالاضافة إلى اجتهاده الفردي، وقد وقف موقفا جديدا تجاه الشاذ الذي يجعله الكوفيون أساسا صالحا للقياس عليه، ويمنع البصريون القياس عليه ويعمدون إلى تأويله ولو كان في ذلك من التكلف غير قليل، أما ابن مالك فانه «يحكم بوقوع ذلك من غير حكم عليه بقياس ولا تأويل بل يقول إنه شاذ أو ضرورة ... قال ابن هشام: وهذه الطريقة طريقة المحققين وهي أحسن الطريقين» «١».

لذلك لقي مسلك ابن مالك استحسانا من النحاة المتأخرين ومنهم السيوطي، وقد أثر الأندلسيون بصفة عامة، وابن مالك بصفة خاصة في البيئة المصرية حيث رحل كثير منهم إلى مصر أو إلى الشام، وأقاموا عاكفين على الدرس بعد أن أخذت دولة الأندلس في الذبول.

ويهمنا الحديث عن البيئة المصرية في عصر المماليك الذي ظهر السيوطي في أواخره، والنشاط النحوي في هذا العصر متميز عنه في العصور السابقة، فبالرغم مما عرفته مصر من ألوان هذا النشاط قبل ذلك، ومن ظهوره كثير من النحاة بها فانهم في الغالب كانوا تابعين للمدارس الثلاث الأول مع ترجيح بين آرائها، وبعض اجتهادات خاصة.

وقد وفد على مصر في القرنين السابع والثامن للهجرة بعض نحاة المغرب والأندلس الذين أحدثوا بالبلاد نشاطا كبيرا، ونبغ على أيديهم أئمة النحو في مصر، فمنهم ابن معط المغربي (٦٢٨ هـ) صاحب المنظومة التي أشار إليها ابن مالك، وابن مالك وأبو حيان وغيرهم، ولا تلبث البيئة المصرية في ذلك الحين


(١) الاقتراح ص ٨٦.

<<  <   >  >>